كتب واصف عواضة:
يشكل الملف النووي الإيراني واحدا من أبرز الملفات التي يفترض أن تتصدى لها الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن الذي تسلم سلطاته الدستورية أمس الاربعاء ،وباشر على الفور في معالجة العديد من القضايا العالقة،أو تلك التي تشكل إرثا ثقيلا من الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب.
لكن هذا الملف لا يبدو مستعجلا ،لا من الإدارة الأميركية الجديدة ولا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ،ولكل من الطرفين أسبابه الموجبة لمثل هذا التباطؤ،وإن كان الطرفان يحبذان التفاهم على هذا الملف،لكن الخطوات العملية لمثل هذا التفاهم قد تستغرق من الوقت كامل العام 2021.
بالنسبة للإدارة الأميركية يبدو واضحا أن أولوياتها تركز على الملفات الداخلية ،وأبرزها جائحة كورونا وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ،حيث يستعد البيت الأبيض وفريق عمله لمواجهة الوباء من خلال إجراءات لوجستية ومادية ،تبدأ من تكثيف حملة اللقاحات وفرض إجراءات الحماية وتخصيص 1.9 تريليون دولار لتعزيز القطاعات المنتجة وتقديم مساعدات عاجلة للفئات المتضرة من هذه الجائحة،في إطار برنامج الحماية الاجتماعية.
أما الملف الداخلي الثاني في اهتمامات الإدارة الأميركية فهو الانقسام الذي أحدثته حركة الرئيس السابق دونالد ترامب ،حيث يجهد الديموقراطيون للاستفادة من هذا الملف، من خلال تنشيط الدعوة الى الوحدة الوطنية لتدارك الانهيارات في الداخل الأميركي ،وهو ما ركز عليه بايدن في خطاب التنصيب.
طبعا لا يعني ما تقدم إهمال الملفات الخارجية ،وأبرزها الملف النووي وقضايا الشرق الأوسط ،فلسطينيا وسوريا وعراقيا ويمنيا.لكن للملف الإيراني في الإستراتيجية الأميركية أولوية خاصة باعتباره مؤثرا أساسيا في القضايا الشرق أوسطية الأخرى.
إلا أن الإدارة الجديدة لن تبادر كما يبدو الى اقتحام الملف النووي ،وستترك للوسطاء ،أوروبيين وخليجيين(قطر وعمان) تحريك هذا الملف،لأن المدخل الأساسي والرئيسي الذي يدفع طهران الى معاودة المفاوضات،وهو وقف العقوبات ، لن تقدم عليه الإدارة الأميركية كبادرة حسن نية في هذا المجال كمحفز للجمهورية الإسلامية من دون أي ثمن من في المقابل.
الموقف الأميركي
وبدا واضحا من تصريحات الفريق الأميركي المعني بهذا الملف ،أن الإدارة الجديدة ستماطل في هذا المجال لدفع إيران الى تقديم تنازلات ولو طفيفة على هذا الصعيد،وأبرزها وقف عملية التخصيب في مفاعلاتها النووية.
المعنيون الثلاثة بالملف الإيراني ،المرشحون لوزارتي الخارجية والدفاع ومديرة الاستخبارات ،صرحوا أمام لجان الكونغرس ،بما لا يوحي بتساهل أميركي في هذا المجال.
المرشح لوزارة الدفاع الجنرال لويد أوستن، رأى أن إيران تمثل خطرا على الحلفاء الأميركيين والقوات المتمركزة في الشرق الأوسط.
وقال أوستن خلال جلسة الثلاثاء: " لا تزال إيران عنصرا مزعزعا للاستقرار في المنطقة. هي تمثل تهديدا لشركائنا في المنطقة وتلك القوات التي تتمركفيها".
وأضاف: " إذا حصلت إيران في يوم من الأيام على قوة نووية، فسيكون التعامل مع معظم المشاكل التي نتعامل معها في المنطقة أكثر صعوبة بسبب ذلك".
من ناحيته، أكد المرشح لوزارة الخارجية أنتوني بلينكن، أن واشنطن ستسعى إلى اتفاق نووي "أقوى وأكثر تقييدا" مع إيران، مشيرا إلى أنه سيتضمن الصواريخ الباليستية وأنشطة زعزعة الاستقرار.
وقال بلينكن خلال جلسة الاستماع في الكونغرس من أجل تثبيت تعيينه في المنصب أنه "علينا عدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، موضحا أنه إذا "عادت إيران للاتفاق النووي سنعود"، مضيفا أن الهدف النهائي لبايدن سيكون صفقة تقيد برنامج الصواريخ الإيراني، لدعم الحلفاء الإقليميين.
واستبعدت أفريل هاينز، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية، التي اختارها بايدن لتكون مديرة الاستخبارات الأميركية، عودة إيران للاتفاق النووي في الوقت الحالي.
وقالت هاينز عن عودة إيران إلى الامتثال لاتفاق 2015: " أعتقد بصراحة أننا بعيدون عن ذلك ". وأشارت إلى أن بايدن تعهد أيضا بمعالجة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وقضايا أخرى.
وأضافت: "أنا أرى أن إيران تمثل تهديدا وعاملا مزعزعا للاستقرار في المنطقة".
وأكدت أن مهمتها هي "تقديم أدق (المعلومات الاستخباراتية) لدينا لواضعي السياسات الأميركية، لتقرير الإجراءات التي يتعين عليهم اتباعها فيما يتعلق بإيران."
الموقف الايراني
طهران لن تقع في الفخ الأميركي مرة ثانية ،ولن تقدم أي تنازل أو تراجع قبل إظهار واشنطن حسن نية في معالجة هذا الملف ،وهذا يتطلب وقف العقوبات ،أو تعليقها على الأقل،للدخول في مفاوضات حول البرنامج النووي،وإلا فالتخصيب مستمر ،خاصة وأن الجمهورية الإسلامية دفعت الأثمان الكبرى في هذا الصدد ،وهي جاهزة للدفاع عن نفسها بشتى السبل المتاحة إذا ما تقرر شن حرب عليها.
وقد أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن القضايا الصاروخية والإقليمية لم تكن ولن تكون جزءا من الاتفاق النووي، مجددا نفي إجراء طهران أي مباحثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وقال ظريف الأربعاء: "لقد قبلنا في الاتفاق النووي ،استمرار حظر التسلح على إيران لمدة خمس سنوات وعلى الصواريخ لعشر سنوات".وأضاف: "الآن ليس الوقت المناسب للمطالبة بالتفاوض على دور إيران الإقليمي، وأمريكا وفرنسا وبقية الدول الغربية هي من تشعل النيران في المنطقة وحولتها إلى مخزن للبارود".
وشدد الوزير الإيراني على أن "المهم الآن هو أن على جميع الأطراف العودة إلى الاتفاق النووي".وقال إن "من واجب بايدن إلغاء العقوبات، وعندها ستعود طهران إلى الاتفاق النووي"، وإن "الكرة في ملعب الولايات المتحدة وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة تنفيذ التزاماتها وليس ابتزاز أحد"، مشيرا إلى أن إيران "ليست على عجلة لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ،لكنها متمسكة بتعهداتها".
وأضاف: "على إدارة بايدن أن تتعظ من درس السنوات الماضية لترامب، وعلى بايدن أن يختار إما انتهاج سياسة ترامب الفاشلة أو اتباع مسار آخر".
وأكد ظريف أن مساعده عباس عراقجي لم يجر أي مباحثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مضيفا أن "عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ليست بحاجة إلى مفاوضات جديدة".
وذكر ظريف أن الأوروبيين كانوا عاجزين عن فعل أبسط شيء للحفاظ على الاتفاق النووي، وإن آلية "اينستكس" المالية لم تنجح.كما اتهم ظريف الأمم المتحدة بالعجز عن تسلم أموال إيران لسداد ديون اشتراكها بسبب العقوبات الأمريكية.
وغني عن البيان أن إيران قادمة على انتخابات رئاسية في الثامن عشر من حزيران المقبل ،ولا يخفى على أحد التنافس القائم بين الإصلاحيين والمحافظين على هذا المنصب ،في ظل الإختلاف في وجهات النظر بين الطرفين حول مضمون الاتفاق النووي .
وإذا كان الإصلاحيون يفكرون بخطوات سريعة تعزز موقفهم في الانتخابات من خلال التفاوض مع الأميركيين ،فإنهم لا يعولون في الوقت نفسه على أي دعسة ناقصة في هذا المجال قد تطيح بأحلامهم في السلطة،خاصة وأن الأميركيين سيضغطون بثقلهم لاحراج الاصلاحين.
وعليه قد لا تبدأ المفاوضات الجدية في هذا المجال قبل الانتخابات الإيرانية ،وهذا يعني أن إنطلاقة هذه المفاوضات لن تكون قبل بداية الصيف ،بعدما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود على مستوى الرئاسة الإيرانية المقبلة.
ولا يجب أن يغيب عن البال في هذه المرحلة حجم الضغوط الإسرائيلية والخليجية ،لتقنين الموقف الأميركي تجاه طهران الى أبعد الحدود،وبالتالي إفشال أي تفاهم يناقض رغبة الطرفين الإسرائيلي والخليجي.
في الخلاصة ،
ثمة رغبة أميركية إيرانية في تحقيق تفاهم جديد على الاتفاق النووي وتسليك العلاقات بين البلدين في جو من الاستقرار ،لكن الموانع والعقبات كثيرة،وقد يتطلب تجاوزها بعض الوقت ،أقله العام الحالي بكل أيامه وأسابيعه وشهوره.