واحد من كل ثلاثة لبنانيين فكّر في الانتحار
طبيب نفسي
ما زال كثيرون لا يصدقون أنّ ما قلناه منذ سنوات والبارحة واليوم وغدا يقع في أوّل إحتمالات أسباب الحوادث العنفية في الشارع ، منسوب العنف المرتفع عند سكان لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين يرتفع وبسرعة ولأسباب كثيرة لا تعد من اقتصاد وسياسة و اجتماع و لا استقرار أمني مزمن في بلاد متدهورة الا ان من اهم اسباب الحوادث العنفية هو الرديف الانتحاري المنتشر بقوة في اعماق سكان لبنان من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وافارقة وآسيويين وغيرهم وهذا الرديف الانتحاري كنّا قد تحدثنا عنه و عرفناه في كتابنا الانتحار-نماذج حية لمسائل لم تحسم بعد عن دار الفارابي سنة 2003 إذ يعبر عن غياب رغبة الموت في المرء إنما في سلوكه نجد تصرفا تدميريا للذات و عكس الانتحار الفاشل إذ الرغبة في الموت موجودة إنما السلوك التدميري الذاتي بسيط الأداء لا يؤدي الى الموت.
في الرديف الانتحاري يتصرف المرء كأنّ الموت لن يصيبه او لا يعنيه انما الموت يحصل لغيره لاعتقاده بحسن سيطرته على أدائه بينما في الواقع و رغم غياب نيّة الموت لديه نجده يسلك طريقا إحتمال الموت فيه مرتفع جدا كقيادة السيارات بسرعة فرغم التحذيرات والمراقبة والاحتياطات والتعليمات المحذرة من الموت نجده يقود السيارة باسلوب جنوني ما يعني أنه يلعب مع قدره وليس لانه يريد في وعيه ان يموت، لا، بل يريد ان يمارس حماسه وتدهوره وطقوسه ليحيا لذات الحياة على طريقته كجرعة مفرطة للذة في وقت قصير يعتقده نشوة والنتيجة تأتي وللأسف ليس فقط على حساب عمره بل على حساب عمر الآخرين واغلب هؤلاء ذوي الشخصيات اللاإجتماعية -المتمردة-الغير متزنة.
في مكان آخر (برج حمود) نسمع عن ضرب سكاكين في الشوارع ومقتل شبان وهؤلاء ايضا ليسوا بعيدين عن الرديف الانتحاري انما اختاروا الموت على يد الآخرين بسلوكهم طريقا تدميريا للذات انما ولاسباب كثيرة ومنها الجبن الوجودي والخوف الديني-الاجتماعي من عار الانتحار يسلكون مدخلا خاصا لعالم الرديف الانتحاري عبر قتل الذات على يد قاتل آخر غير الأنا وهؤلاء عادة ما يرمون انفسهم امام القطار او الباص او المترو او ينخرطون في قتال كمقاتلين تاركين القناص ليستهدفهم بسهولة او يستفزون آخراً ليقتلهم في الشارع او ما شابه ذلك.
لا يمكن اختصارالمشهد اللبناني بمقالة انما وبعد ان بلغ عدد قتلى حوادث السير في لبنان 283 شخصا خلال التسعة اشهر الاولى من سنة 2018 وبعد ان شاهدنا مهرجان العنف والكراهية البارحة في برج حمود كمشاهد متكررة بين الأحياء ومؤخرا ما حصل في الشمال نتيجة شتم العزة الإلهية! أحببنا ان نُعلم من يهمه الأمر ان الجميع ضحية شخصيات مضطربة ومريضة تسلك خطا رديفا للانتحارفي الشارع وخطا رديفا للانتحار في الاقتصاد والسياسة والدين.
ما لا تعرفونه ايها اللبنانيون ان واحدا من كل ثلاثة لبنانيين وفق دراستنا العيادية قد فكر ولو لمرة واحدة على الأقل في حياته على الانتحار.
أقسى ما يمكن ان يصله شعب في زمانه هو ان يسلك دوما طريق الرديف الانتحاري و هو يعتقد انه يحقق انجازات وهمية، انها من آثار ما تبقى من شوفينية لبنانية سخيفة.
لتعلم الناس انها تحت سيطرة شخصيات مضطربة ومريضة لن تأخذ بها الا لحروب تدميرية اهلية كسلوك ذاتي للتدمير ولو أن لا نيّة لديها او لا رغبة لها في الموت او الحرب او الفقر او الدمار.