9 كانون الثاني: اليوم الخطير(نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
كيف لنا، ونحن في هذه الحال من الهلهلة السياسية، وحتى من الهلهلة الطائفية، أن نتصور وجود قيادات سياسية أو حزبية تراهن على ضرب ايران ولو بالرؤوس النووية، لتقويض النظام هناك، ما يعني زوال حزب الله، وربما ازالة طائفة وهي في ذروة مأساتها، من المعادلة السياسية وحتى من المعادلة الديموغرافية. كل هذا الرهان لشق الطريق الى القصر. رئيس جهورية لبنان أم رئيس جمهورية جهنم؟
الأكثر اثارة للصدمة وجود ممثلين للأمة (الصفة الدستورية للنواب) “يمنّنون” النازحين من الجنوب أو من الضاحية أو من البقاع باستضافتهم في مناطقهم، حين كانت الطائرات “الاسرائيلية” تدك منازلهم فوق رؤوسهم، كما لو أن هؤلاء النواب ليسوا شركاء في تشتيت اللبنانيين من كل الطوائف ومن كل الانتماءات في أصقاع الدنيا، وكما لو أن المناطق اللبنانية غيتوات مخصصة لطوائف معينة أو لفئات معينة.
ما حدث في تلك المناطق من المزايا الأساسية لدى جميع اللبنانيين، لا سيما المسيحيين الذين يعلمون لماذا وضع السيد المسيح على الخشبة، ولماذا قام. هؤلاء اللبنانيون الذين فتحوا أبوابهم للكلدان وللأشوريين وللأرمن، كما للفلسطينيين وللسوريين وللعراقيين، ليكون لبنان الملاذ لمعذبي المنطقة الذي ما أكثر عذاباتهم، وما أكثر آلامهم!
شخصياً، خلال الحرب أقمت في مبنى ملاصق لمكتب لـ “القوات اللبنانية” في احدى ضواحي بيروت. لا حدود للدماثة التي أظهرها “الشباب” في التعامل معنا على أننا الأهل (وأهل البيت) لنزداد يقيناً بأن الروح اللبنانية هي الأساس في وجود لبنان، وفي بقاء لبنان، بعيداً عن ثقافة الخنادق وثقافة الصوامع.
كثيرون تفاءلوا بيوم 9 كانون الثاني كبداية الطريق الى الخلاص، لتظهر مؤشرات على أنه اليوم الخطير. نبدأ من كلام القيادي في حزب الله وفيق صفا، وهو ليس بالكلام الآني، بل كان موجهاً الى جهة خارجية حاولت بوسائل شتى، شق الطريق أمام قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع الى قصر بعبدا، كونه الرجل الذي اذ يتمتع بغالبية مسيحية، ويقود حزباً منظماً بمنحى عسكري، يرفع شعار نزع سلاح حزب الله .
وكنا نعتقد أن انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، بالمواصفات التي تقتضيها الحالة اللبنانية، يفتح أبواب الخليج أمام لبنان، لنفاجأً بأن الموفد السعودي الأمير يزيد بن محمد بن فرحان أبلغ نواباً “مقربين”، من بينهم النائبة نجاة صليبا، بأن بلاده “غير مستعدة للمساعدة دون تسليم السلاح غير الشرعي الى الدولة”.
ردة الفعل لدى أنصار حزب الله، هل يمكن أمام الجنون “الاسرائيلي” الذي بلغ أقصى حدود الهمجية التخلي عن السلاح، وحيث الكثيرون في الداخل وفي الخارج يشحذون سكاكينهم للانقضاض على الحزب؟ أما الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية فهو مجرد وهم بوجود الاختلال في موازين القوى، وبدفع ايديولوجي لا يتردد في تحويل الشرق الأوسط الى مقبرة…
مشهد الشرق أوسطي يضج بالاحتمالات الكبرى، وبالأسئلة الكبرى. ايمانويل ماكرون استبق دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، ليصرح بأن ايران “هي التحدي الاستراتيجي والأمني في الشرق الأوسط”. غريب أن يرى، وبكل ذلك التراث الفلسفي الفذ، ومن ديكارت الى مالرو، ايران ولا يرى “اسرائيل”. لكنها الزبائنية السياسية التي اشتهر بها الرئيس الفرنسي.
في الوقت نفسه، يبدو أن بعض المسؤولين الايرانيين لم يأخذوا بالاعتبار ما حدث في المنطقة.
المتحدث باسم الحرس الثوري قال “ان العملية العسكرية المقبلة ضد الكيان الصهيوني، ستكون أشد وأقوى عندما يحين وقتها”، “نقول لأعدائنا اننا مستعدون على الفور، للرد على أي اعتداء”، و”لم نتوقف عن تصنيع الصواريخ، ومنظومات دفاعنا الجوية سليمة”. أي منطق في هذا الكلام، وكلام آخر عن سورية يبرر للسلطة الجديدة التنكيل بفئات محددة، حتى ولو لم تلطخ أيديها يوماً بالدم؟ ثمة واقع جديد في سورية وحتى في المنطقة، دون أن يكون هناك من مجال للتغاضي عنه.
حين نتحدث عن الساحة اللبنانية، بديهي أن نشير الى أن التطورات السورية ترخي بظلالها على هذه الساحة. خريطة تقسيم سوريا باتت جاهزة على طاولة دونالد ترامب، كما على طاولة بنيامين نتنياهو. رجب طيب اردوغان الذي خطط لوضع يده على كل سورية، كنقطة انطلاق الى بلدان عربية أخرى، والخائف من انتقال العدوى الى بلاده المركبة اثنياً وطائفياً، استشعر الخطر ليقول “لا يمكننا أن نسمح تحت أي ذريعة بتقسيم سورية، وفي حال لاحظنا أدنى خطر، سنتخذ سريعاً الاجراءات اللازمة”. علينا أن نتخيل كيف أن الرئيس التركي سيواجه عسكرياً كلاً من أميركا و “اسرائيل”. يا للمهزلة!!
تزامن ذلك مع كلام وراء الضوء حول الدور التركي في لبنان. وزير الخارجية حقان فيدان صرح بـ”أننا مع الجانب الأردني المشكل المقلق بوقف النار في لبنان”، ليتداخل ذلك مع قول آموس هوكشتاين ليس بالسهل انسحاب “اسرائيل” من لبنان، وبعدما ترددت معلومات حول مواصفات “اسرائيلية” للرئيس اللبناني الرابع عشر .
معلومات، وأحداث، ومواقف، تتقاطع وتتناقض، لنصل الى هذه الخلاصة: 9 كانون الثاني يوم خطير….