13 حزيران 1978 :وقائع رافقت مجزرة إهدن (نمر تلج)

بقلم نمر تلج – الحوارنيوز
تحلّ علينا الذكرى ال 47 لما يسمى “مجزرة إهدن”. ففي كل عام بتاريخ 13 حزيران يذكر الجميع تلك المجزرة المشؤومة، وكلٌ مَن يتذكرها من زاوية معينة. منهم من يقول إنها صراع على النفوذ بين حزب الكتائب وآل فرنجية، أو انتقام لمقتل جود البايع (المسؤول الكتائبي)، والبعض يعطيها بُعد المؤامرة في مسلسل المؤامرات التي مرت على لبنان الخ …
أنا في هذه العجالة لن احلل بل سوف اسرد معطيات أعرفها جيدا وقد عاينتها شخصيا، فقررت نشرها الآن ،لأنه على مر السنين لم يتطرق إليها أحد، مع اني رويت تلك الوقائع أمام إعلاميين كثر وبعض العاملين في السياسية ومن الوطنيين والسيادين وغيرهم، فلم تعن لهم شيئا، لذلك قررت نشرها شخصيا لإيصال الحقيقة إلى القراء، وخاصة الذين لم يعايشوا تلك المرحلة ولم يطلعوا على أسرارها وخفاياها.
في 13 جزيران 1978 ،غيرالهجوم الذي حصل على إهدن من قبل حزب الكتائب اللبنانية تحت مسمى منظمة “ثوار الشمال” ، كان جنوب لبنان على موعد مع تنفيذ القرار 425 الصادر عن الأمم المتحدة بعد إجتياح عام 1978 الذي عُرف بعملية الليطاني، والذي يقضي بانسحاب الجيش الاسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية التي إحتلها أثناء الاجتياح المذكور، وحُدد يوم 13 حزيران 1978 للتنفيذ العملي على الأرض، وبدلا من التنفيذ الفعلى التفّت الحكومة الإسرائيلية على القرار واقتطعت شريطا حدوديا من جنوب لبنان وسلمته للميلشيات المتعاونة معها بقيادة الرائد المنشق سعد حداد والرائد المنشق سامي الشدياق.
وبما أن هذه المخالفة للقوانين الدولية وشرائع الامم المتحدة تمت في التاريخ والوقت والزمان والمكان (الجمهورية اللبنانية) الذي نفذت فيه مجزرة إهدن، فقد طفت أخبار تلك المجزرة على ما عداها، ولم يلتفت أحد، لا لبنان الرسمي ولا لبنان الشعبي، إلى الكارثة التي تمت في جنوب لبنان، حيث انتهكت السيادة واغتصبت قطعة من أرض الوطن رغم أنف الامم المتحدة والدولة اللبنانية. فهل هذا التناغم بين الحدثين هو صدفة، أم تناغم مقصود للتغطية على فضيحة الفضائح، حيث لم تتمكن المنظمة الدولية من أجبار الدولة الصهيونية على تنفيذ القرار 425 بشكل كامل وحتى اليوم،على الرغم من التحرير والانسحاب الصهيوني من الأراضي اللبنانية (ليست كلها )عام 2000.
أضع هذه الحقائق بن أيدي كل من يريد أن يعلم ويطلع على البدايات وعلى الجذور التي أنتجت وأنبتت الواقع الذي نعيشه اليوم. وحتى أكون منصفا يجب إكمال الرواية :
نعود الى العام 1978 بعد وقف إطلاق النار، وفي الفترة الممتدة بين تنفيذ القرار 425 وتوقف العمليات، إجتمعت قلة قليلة مؤمنة بحقها في مقاومة المحتل وتحريرالارض (حزب العمل الاشتراكي العربي، الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب السوري القومي الاجتماعي ، منظمة العمل الشيوعي، التنظيم الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الإشتراكي- جناح العراق الذي كان يتفاوض على الوحدة مع الجناح السوري في الحزب ضمن ميثاق العمل القومي الموقع من قبل الرئيس حافظ الأسد والرئيس أحمد حسن البكر، والذي انقضّ عليه فيما بعد صدام حسين وعزله من الحكم وألغى ميثاق العمل القومي بمجزرة “قاعة الخلد”.)
وبدعم من كتيبة القطاع الأوسط في حركة “فتح” التي كان يقودها الرائد الشهيد بلال ( القائد المتميز) وكتيبة الجرمق التي انبثقت عن التنظيم الطلابي في حركة “فتح”، وطبعا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و قرروا إنشاء جبهة المقاومة الوطنية لتحرير الجنوب، وأول عمل قامت به هذه الجبهة أوهذا التجمع، هو التسلل خلف خطوط العدو وإقامة قواعد سرية تكون مراكز إنطلاق عمليات تحرير الجنوب مستقبلاً، وهذا ما تم فعلا. فعندما انتشرت قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة وجدت هذه الجيوب، وبعد أخذ ورد إضطرت للتعامل معها كأمر واقع ضمن ترتيبات معينة، وهذه الجبهة كانت نواة إنبثقت عنها “جمّول” (جبهة المقاومة الوطنية) بعد اجتياح العام 1982. وتلك هي النواة الأولى، واسمحوا لي ألّا أذكر أسماء المؤسسين الذين ما زالوا على قيد الحياة، وسوف أذكر فقط من غادر هذه الدنيا كالرفيق علي العبد عضواللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، مسؤول منطقة الجنوب، الأمين محمد سلیم (عمید الدفاع في الحزب السوري القومي لاحقا، وكان في تلك الاثناء منفذ عام منفذية الجنوب الاولى، والمندوب المركزي للجنوب اللبناني في الحزب ومقررالقيادة المشتركة للحركة الوطنية في الجنوب)، المناضل الكبير مصطفى سعد أمين عام التنظم الشعبي الناصري وامين سر قيادة الحركة الوطنية في الجنوب اللبناني ورمز المقاومة الوطنية لاحقا).
قامت هذه الجبهة في الفترة الممتدة من 1978 حتى الاجتياح عام1982 بعمليات عديدة وسقط لها شهداء وأسرى .ومن الشهداء: الشهید اياد المدور نجل مدير تحرير جريدة الشرق آنذاك نور الدين المدور. وفي إحدى العمليات في حولا وقع في الأسر الرفيق عصام سلامة من الحزب الشيوعي والرفيق طالب أبوريا (بدر) من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفقد أثرهما بعد العام 1982 حتى اليوم، ومن العمليات البارزة عملية على قلعة شمع.
هذه وقائع مغيّبة حاولت أن أنفض عنها الغبار لعلّ الذكرى تفيد في بناء المستقبل.
بيروت 11 حزيران 2025