ثقافة

الكانتونات الثقافية:التجزئة إضعاف فردي وجماعي(عدنان عويّد)

 

د.عدنان عويّد* – الحوارنيوز

 

جاء تعريف كانتون   Canton)) في الويكيبيديا بمعنى مقاطعةً أو إقليما. ويمكن أن نستخدم التعريف أيضا بمعنى الفعل وهو ”يقسم” بلداً لتصبح مقاطعات. وتأخذ الكلمة معنى سلبيا، عندما يصبح فعل التقسيم وسيلة لخلق حالات من التناحر والكراهية والبغضاء بين من يقع عليهم فعل التقسيم جغرافياً أو سياسياً او اجتماعياً أو ثقافياً.  

 ما لفت انتباهي في الآونة الأخيرة، ظاهرة الكانتونات الثقافيّة على صفحات “الفيس بوك”، حيث رحنا نلمس ذاك التقسيم الكبير للجهد الثقافي وفقاً للاختصاص، أو الهواية، أو الانتماء الجغرافي الضيق أو المهني .. الخ. كأن نجد تجمعاً لأدباء هذه المحافظة أو تلك، أو لأبنائها حصرا، أو تجمعاً آخر لأبناء هذا القطر أو أدبائه، أو تجمعاً لصحفيي هذه المحافظة أو تلك، أو لخريجي هذا الاختصاص أو ذلك، أو تجمعاً لمحبي هذا الشاعر أو الأديب أو المفكر أو ذاك، أو تجمعاً لمعتنقي هذه الهواية أو تلك، أو لمنتمي هذه الديانة أو تلك..الخ. وكل تجمع من هذه التجمعات راح ينغلق على نفسه تقريباً، أو أن المدعو للانتماء إليه من خارج دائرته، يشعر بأنه غريب عنه، أو يكاد شيئاً فشيئاً يشعر بغربة داخله، حتى يجد نفسه دون إرادته خارج دائرته.

إن الثقافة برأيي فعل متكامل لا يمكن فصل مكوناته عن بعضها، فكل نسق فيه يكمل الآخر، وكل بقعة جغرافيّة يظهر فيها هذا النشاط الثقافي أو ذاك، هو امتداد لمحيطه الوطني والاقليمي والدولي. وبالتالي فأي تجزيئ لهذا الفعل، أي النشاط الثقافي، هو إضعاف لهذا المكوّن الثقافي من جهة، ولكل المكونات الثقافيّة من جهة ثانية.

من هنا رحنا نجد أنفسنا مقيدين دون إرادتنا في التعامل مع هذه المعطى الثقافي أو ذلك بردود فعل باردة، حتى أصبحت ذهنيتنا مقسمة إلى مناطق ثقافية معزولة عن بعضها، وهذا ما يجعل هذه الذهنيّة تعيش حالة من التشتت والضياع، وفقدان الهدف الأساس من ممارسة النشاط أو الفعل الثقافي في صيغته العامة وهدفه الأسمى. الأمر الذي خلق لدينا نوعاً من رد الفعل السلبي تجاه ما ينشره الأخوات والأخوة، حيث بدأنا نشعر أن ما ينشر في أكثره لا يعنينا في شيء، هذا إضافة إلى ضحالة ما ينشر في هذه المجموعة أو تلك أحياناً، على اعتبار أن أكثر ما ينشر إما أنه يعبر عن قضايا منطقة بذاتها، أو اختصاص بذاته، وفي الغالب ما ينشر هو ليس أكثر من مواقف ذهنيّة أو حدسيّة فرديّة تعبر عن شعور وقناعات ورغبات هذا الناشر أو الناشرة من الصديقات والأصدقاء كل في مجموعته.

 دعونا نعود إلى الفعل الثقافي كفعل أو نشاط يهم الجميع وهو للجميع، إن قضايا الناس ومشاكلهم واحدة، ولا يمكننا فصل ما يجري في أمريكا اليوم عما يجري في بقية دول العالم، فالنظام العالمي الجديد، ومنظومة الاستبداد القائمة في العالم واحدة، وبالتالي لا بد من أن تكون المعالجة واحدة والهدف الثقافي واحد، مع تأكيدنا على ضرورة تناول الأولويات في قضايا ومشاكل الجغرافية في هذا العالم، رغم أنها مكوّن من المكونات الثقافيّة العامة، التي أكدنا عليها.

*كاتب وباحث من سورية

d.owaid333d@gmail.com

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى