١٧ أيلول: إنها الحرب يا سادة(غازي قانصو)
بقلم د.غَازِي قَانْصُو – الحوار نيوز
أكبرُ من مجرّدِ حَدَثٍ أمني عابر. إنها حرب شاملة تُشنّ على لبنان وشعبه، وتستهدف مؤسساته ومقاومته. الهجمات الأخيرة، التي شملت الضاحية الجنوبية، بيروت، البقاع، والجنوب، تشكل مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع الإسرائيلي-اللبناني، حيث تم اللجوء إلى أساليب غير مسبوقة في الحرب السيبرانية والعسكرية على حد سواء.
تفجيرات أجهزة “بايجر”: جريمة حرب باستخدام أسلحة غير تقليدية.
التطور الأمني السيبراني الأخير جاء على شكل تفجير مئات أجهزة “بايجر”، التي تُستخدم من قبل عناصر المقاومة اللبنانية. هذا الهجوم الإلكتروني-المادي المزدوج أدى إلى مقتل وجرح المئات، بالإضافة إلى التسبب بإعاقات دائمة لكثيرين. هذه الهجمات لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة حرب، إذ استُخدمت فيها تكنولوجيا ذات تأثير مدمر وشامل، وهو ما يعكس نية واضحة لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية، وإضعاف المقاومة بشكل استراتيجي.
وفقًا للتقارير الأولية، يُعتقد أن الخسائر البشرية تتراوح بين 3000 شخص بين قتيل، جريح، ومعوق، مع تعرض عدد كبير لفقدان أطراف أو حواس. استخدام هذه الأسلحة يعزز الفرضية بأن الحرب قد انتقلت إلى مستوى جديد يتجاوز الحروب التقليدية، متضمنةً الهجمات السيبرانية والهجمات باستخدام أسلحة دمار شامل على نطاق غير مسبوق.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية للهجوم
هذا التطور لا يمكن عزله عن السياق السياسي الإقليمي. فإسرائيل، السلطة الحاكمة في كيان العدو الغاصب، التي تشعر بالتهديد من القوة المتزايدة للمقاومة اللبنانية، تسعى منذ فترة طويلة إلى تقليص قدراتها وفرض حصار شامل على لبنان. الهجمات السيبرانية وتفجيرات “البايجر” تمثل مرحلة متقدمة من الحرب غير المتكافئة، التي تسعى فيها إسرائيل إلى تقويض البنية التحتية للمقاومة بأساليب لا تقتصر على المواجهات العسكرية التقليدية.
هذه العمليات تشير إلى نية إسرائيلية لإضعاف الروح المعنوية للمقاومة عبر استهداف جنودها بشكل مباشر باستخدام أسلحة سيبرانية ومعلوماتية، وفي الوقت نفسه خلق حالة من الهلع بين المدنيين اللبنانيين. التأثير المباشر على المدنيين يُعد جزءًا من استراتيجية الضغط على الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي لعزل المقاومة وإضعاف الدعم الشعبي لها.
الأبعاد الإنسانية والأخلاقية للهجمات
ما يُثير القلق بشكل خاص هو الأثر الإنساني الهائل لهذه الهجمات. فالأرقام المبدئية تشير إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، بينهم أطفال. كما أن آلاف الأشخاص يعانون الآن من إعاقات دائمة، مما يُثير تساؤلات أخلاقية وإنسانية عن مدى شرعية استخدام هذه الأسلحة. هذا النوع من الهجمات لا يُعد فقط جريمة حرب بموجب القانون الدولي، بل يعكس تجاوزًا خطيرًا لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي تحكم النزاعات المسلحة.
هل بدأت الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان؟
تفجيرات “البايجر” لا يمكن فهمها إلا كبداية لمرحلة جديدة من الحرب الإسرائيلية على لبنان. السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيظل هذا الهجوم محدودًا في إطار حرب سيبرانية وإلكترونية، أم أن إسرائيل تخطط لشن هجوم شامل على الأرض، يستهدف البنية التحتية اللبنانية، ويشمل تدخلاً عسكريًا مباشرًا؟
الوقائع على الأرض تشير إلى أن المنطقة تتجه نحو تصعيد كبير، وأن التفجيرات قد تكون بمثابة إشارة لانطلاق عمليات عسكرية أوسع. وفي ظل غياب استجابة دولية قوية لوقف هذا التصعيد، فإن احتمالات توسع نطاق الحرب تظل قائمة، ما يعزز من معاناة الشعب اللبناني، وهذا يفترض، وخصوصا بعد الضربة الكبرى، في ١٧ ايلول من قبل العدو فقد تعمد المقاومة الى سيناريوهات جديدة، لا تخطر على بال.
خِتامًا، هذه الأحداث ليست مجرد حادثة أمنية، بل جزء من استراتيجية أوسع تسعى لتغيير ميزان القوى في المنطقة. الرد الدولي والإقليمي، إذا تحرك دماغُه، على هذه التطورات سيحدد مستقبل الصراع، وما إذا كانت هذه الحرب الشاملة ستمتد لتطال جوانب أخرى من الحياة في لبنان والمنطقة، ولا يخفى على أحدٍ انها ستكونُ مؤثرةً على جوانب كثيرة في العالمِ كُلّه.
مع تحياتي،
د.غازي منير قانصو
١٨ أيلول ٢٠٢٤