كتب حلمي موسى من غزة:
مثل أيام كثيرة في هذه الحرب، يوصف اليوم بأنه حاسم، لأن حركة حماس ستقدم اليوم ردها على المقترحات المصرية الأخيرة. وثمة ترقب كبير، ليس لأن القرار النهائي بهذا الشأن بيد حماس، التي هي طرف أساسي، وإنما لأن قرارها سيوفر فرصة للكثيرين لرؤية ما إذا كانت الكرة ستنتقل للملعب الإسرائيلي أم ستبقى في الجانب الفلسطيني.
فما يسمى بالمقترح المصري يحتاج إلى موافقة كل من حماس وإسرائيل، وعليه يمكن القول إن المقترح يحتاج أيضا لموافقة رسمية إسرائيلية لم تتوفر حتى الآن. وربما أن هذا سبب الاتصال بين نتنياهو وبايدن ليلة أمس، والذي تكررت فيه إضاءة المصابيح الحمر ضد تفكير نتنياهو وعدد من قادته بشن عملية عسكرية في رفح. كذلك فإن الكثير بشأن القرار الإسرائيلي حول المقترح المصري يتعلق ببقاء الحكومة الإسرائيلية الحالية أو انهيارها، وهذا هو المعنى الحقيقي لتهديدات كل من غانتس وسموتريتش.
ويوم أمس أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، أن إسرائيل وافقت على بحث مخاوف ورؤى واشنطن قبل اجتياح رفح جنوب قطاع غزة. وحسب موقع “والا” فإنه خلال محادثة نتنياهو وبايدن الليلة، أكد بايدن التزامه بأمن إسرائيل، لكنه كرر “موقفه الواضح” بشأن العملية في رفح، التي أعلن أمس عن موافقة رئيس الأركان الإسرائيلي على خططها. وأضاف مصدر أمريكي أن الاثنين ناقشا الاتصالات من أجل عودة الأسرى في إطار مخطط يتضمن وقف إطلاق النار. كما بحث الجانبان المساعدات الإنسانية في قطاع غزة وضرورة الإسراع في دخولها والعمل بالتعاون مع المنظمات الإنسانية.
وحسب موقع والا قال مصدر مطلع على فحوى المحادثة، إن 75% من وقت المحادثة تركز على جهود التوصل إلى اتفاق للإفراج عن المختطفين. وذكر المصدر أن بايدن ونتنياهو ناقشا مقاطع الفيديو الخاصة بالمواطنين الأمريكيين المحتجزين لدى حماس – هيرش غولدبرغ بولين وكيث سيغل – والتي نُشرت في الأيام الأخيرة.
لكن موقع “يديعوت” الإخباري تحدث عن ضوء أحمر أمريكي واضح ضد أي عملية واسعة في رفح. وقالت إنه سبق المحادثة الهاتفية قول مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إن “الاستعدادات لدخول رفح مستمرة. وفي أي صفقة، إذا تمت، فإن إسرائيل لن تتخلى عن أهداف الحرب”. وقد جاءت هذه الكلمات أيضاً على خلفية تهديدات رئيس الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة من الحكومة في حال إلغاء العملية في رفح والتوصل إلى صفقة الرهائن وفق الاقتراح المصري، والتي وصفها بـ “الاستسلام المهين”.
وبحسب الإعلان الأمريكي، ناقش الجانبان أيضًا “المفاوضات من أجل إطلاق سراح المختطفين والوقف الفوري لإطلاق النار في غزة”. وكرر بايدن بيانه وبيان 17 دولة أخرى، مطالبين حماس بالإفراج عن المختطفين من دون تأخير، والسماح بوقف إطلاق النار لمصلحة سكان غزة”. بالإضافة إلى ذلك، ينص الإعلان على أن “بايدن كرر التزامه الصارم بأمن إسرائيل، بعد الدفاع الناجح ضد الهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار الإيراني غير المسبوق”. إلى جانب ذلك، قيل إن “الرئيس ورئيس الوزراء ناقشا أيضًا زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، والاستعدادات لفتح معبر جديد في شمال قطاع غزة. وشدد بايدن على ضرورة التنسيق الكامل مع منظمات الإغاثة. “
في كل حال يبدو السؤال الأهم صباح اليوم هو هل ستبرم الصفقة أم لا؟ وكل جواب على ذلك قبل الإعلان حقيقة عنه هو استباق للأمر وقراءة قد تصح وقد تخطئ بسبب أن إسرائيل اليوم في حالة ارتباك كبيرة، وموقفها يتقرر ،ليس وفق منطق، وإنما وفق مزاج شخص واحد هو نتنياهو. وتشير “يديعوت إلى أن الجواب عن السؤال بات معضلة تقسم الحكومة الإسرائيلية وتقودها اليوم إلى نقطة الحسم مع الرد المتوقع من حماس على الاقتراح المصري الذي كشف عنه موقع “واي نت”. وعلى عكس المرات السابقة، وصفت حماس هذا الاقتراح بأنه “خطير”، وأشار البيت الأبيض إلى أن حماس لم ترفضه بعد. إن قبول الصفقة، سواء من جانب حماس أو من الجانب الإسرائيلي، سوف يؤدي بشكل شبه مؤكد إلى تأجيل العملية في رفح.
وقال سامي أبو زهري، المسؤول البارز في حماس، مساء : “لقد وعدنا إخواننا في مصر وقطر بأننا جادون في التوصل إلى اتفاق، لكننا لن نستسلم لأي ضغوط أمريكية”. كما ألمح مصدر آخر في حماس إلى احتمال قبول الاقتراح، جزئيا على الأقل. وقال لوكالة الأنباء الفرنسية إن حماس “لم تحدد أي مشاكل جوهرية في الاقتراح وأن الأجواء إيجابية ما لم تضع إسرائيل عقبات جديدة”.
ورغم تضارب الأنباء والتقارير حول صيغة المقترح المصري حاولت يديعوت أحرونوت أن تلخص ما تعلمه عنه بالتالي: قالت إن الاتفاق يتضمن إطلاق سراح عشرات الأسرى الإسرائيليين أحياء ، لكن عدد هؤلاء أقل من 40. وأن إطلاق سراح 33 مختطفاً حسب فئات النساء والجنود والكبار والمرضى والجرحى والمعاقين عقلياً هو على جدول الأعمال. وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن مدة وقف إطلاق النار خلال الصفقة سيتم تحديدها وفقا لعدد الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم من بين 133 رهينة لا تزال حماس تحتجزهم. وتطالب حماس بإطلاق سراح 50 أسيراً مقابل كل جندي مخطوف، و30 أسيراً مقابل كل مدني مخطوف.
“وبموجب البند الأول من الخطة المصرية، تتعهد إسرائيل بوقف كافة الاستعدادات للدخول إلى رفح. أما البند الثاني فهو إطلاق سراح جميع المختطفين الإسرائيليين على مرحلتين بفاصل زمني قدره 10 أسابيع. أما البند الثالث فهو وقف كامل لإطلاق النار لمدة عام، مع التزام إسرائيل وحماس بعدم إطلاق النار أو استخدام الأسلحة على الأرض أو في الجو. وسيتم خلال وقف إطلاق النار الإعلان عن بدء تنفيذ التحركات لإقامة الدولة الفلسطينية.
ونقلت يديعوت عن مسؤولين مصريين قولهم إن “الرؤية المصرية هي نتاج كل الجولات السابقة. وتشمل عودة النازحين إلى شمال غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جزء كبير من محور نيتزر، ومنح حرية الحركة على القطاع. الطرق الرئيسية في قطاع غزة. وترتكز الرؤية المصرية على وقف إطلاق النار الذي يشمل تبادل الأسرى وفترات من الهدوء دون تبادل للأسرى”.
ونقلت يديعوت عن شبكة “الشرق” السعودية عن مصادر مطلعة أن الاقتراح المصري يتضمن أيضًا إخراج قوات الجيش الإسرائيلي من الطريق الذي سيعود عبره سكان غزة إلى منازلهم. وكانت حماس رفضت اقتراحًا سابقًا، الاقتراح الذي تضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى مسافة 500 متر من ممر نيتساريم خارج القطاع، وطالبت بالانسحاب إلى مسافة 3.7 كيلومتر، وبحسب التقرير فإن الاقتراح المصري يتضمن تسوية بين الموقفين.
وأعرب أحد الوزراء في حكومة نتنياهو عن معارضته الشديدة لذلك: “آمل ألا تكون هناك صفقة رهائن كهذه. تتضمن الصفقة انسحاب القوات من ممر نيتزر. لدى حماس لواء كامل يعمل بكامل طاقته. يجب ألا نفعل ذلك. وهذا يعني خسارة الحرب. لا توجد حكومة لديها مثل هذه الصفقة – هذا واضح.
نهاية الحرب؟
وقالت المصادر لـ”الشرق” إن حماس “راضية عن التقدم الذي تم إحرازه في المخطط الجديد، لكنها تطالب بأن يتضمن التزاماً بوقف الحرب أو السلام الدائم، إلى جانب انسحاب إسرائيلي من غزة في نهاية عملية التفاوض. وهناك معارضة ساحقة لهذا الطلب في الحكومة. رئيس معسكر الدولة بيني غانتس – الذي هدد فعلياً بالاستقالة من الحكومة إذا تم التوصل إلى “مخطط مسؤول”، على حد تعبيره – تم إحباطه – وأوضح أنه يعارض ذلك.
أما الزعيم الصهيوني المتدين بتسلئيل سموتريتش فوجه إنذارا نهائيا إذا تم إلغاء العملية في رفح، وهاجم المقترح الجديد وقال لنتنياهو: “توسطت مصر في صفقات أنهت “الجولات” السابقة عندما كانت حماس على قيد الحياة، وسمحت لها بتعزيز قوتها مرارا وتكرارا”. وذبح المواطنون الإسرائيليون كما لم يحدث منذ المحرقة، وهذا بالضبط ما كنت تقوده على مدى العقدين الماضيين. إن الموافقة على الصفقة المصرية هي استسلام مذل، وهي منح النصر للنازيين على ظهور مئات من جنود الجيش الإسرائيلي الأبطال الذين سقطوا في المعركة، وهي إصدار حكم بالإعدام على المختطفين الذين لم تشملهم الصفقة، وقبل كل شيء، إنه خطر وجودي مباشر على دولة إسرائيل”.
في كل حال الكثير جدا من مستقبل الصراع يتعلق بالموقف الذي قد يتخذ اليوم إذا صحت الأنباء عن أن الرد سيكون اليوم. ولا يقل أهمية عن ذلك أن رد حماس إن كان إيجابيا لن يكون أكثر من بداية لصراع على التفاصيل سيواجه عقبات شديدة لأن المقترح المصري حتى الآن هو خطوط عريضة ولأن التطرف الإسرائيلي في العداء فاق كل ما كنا نعرفه سابقا.