يوم القدس العالمي بين انتفاضة الاقصى وزوال الكيان(محمد رقية)
د. محمد رقية
يطل علينا يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك؛ ذلك اليوم الذي أطلق نداءه الأول الإمام الخميني (رحمة الله) في السابع من آب/أغسطس 1979، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران مباشرة، تأكيداً لموقع القدس الجوهري في قلوب وعقول كلّ المسلمين والأحرار في أرجاء العالم ،.ومشهد الشعب الفلسطيني الأبي المرابط في القدس وفي المسجد الأقصى المبارك، الذي يدافع بالصدور العارية، وبالإرادة، والعزيمة الصلبة الاحتلال الصهيوني الذي عجز عن تطويع الفلسطينيين وارغامهم على الاستكانة والخنوع.
يطل يوم القدس العالمي هذا العام وجنود الاحتلال أمعنوا في غيهم وظلمهم لهذا الشعب العربي الاصيل بإخراج المواطنين الفلسطينيين من ديارهم وبيوتهم ومنازلهم لاحتلالها واغتصابها عنوة وجعلها ملاذا للمستوطنين المحتلين ، كما يجري حاليا في حي الشيخ جراح.
إن مشهد انتفاضة باب العمود يدل على أنّ الشعب الفلسطيني “لا يمكن أن يسلّم أو أن يستسلم في معركة الإرادة وفي معركة الهوية في الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس” وفلسطين. فبالرغم من الحصار الشديد والصعوبات والتهديدات ورغم اتفاقات أوسلو والسلطة المتواطئة مع العدو وانصياع بعض الحكام العرب لهيمنة الكيان الغاصب والتطبيع معه ، يثبت هذا الشعب أنه متمسك بقضيته ولن يتخلى عن حقوقه المغتصبة ما يحمل جميع أحرار العالم مسؤولية أكبر لنصرته.
تشهد مدينة القدس في حقيقة الأمر صراعاً يومياً، وعلى مستويات مختلفة، بين إرادة الباطل الصهيونية التي تسعى إلى تهويد المدينة المقدسة وطمس هويتها الحضارية الفلسطينية والعربية منذ احتلال المدينة في العام 1967، وإرادة الحق الفلسطيني العربي المتجذر في تاريخ القدس، والذي تشهد له حجارة المدينة المقدسة وأبنيتها العتيقة وحجارة أطفال فلسطين .
يحتاج أهلنا في القدس في حربهم على المخطط التهويدي الاستيطاني إلى استراتيجية مواجهة مقدسية تراكم محطات الانتصار المقدسية على التهويد والاستيطان، الأمر الذي ظهر جلياً في معركة البوابات الحديدية والكاميرات على باب الأسباط، مروراً بفتح مصلى الرحمة، وصولاً إلى إزالة الحواجز عن باب العمود، إذ إن وجود استراتيجية تراكم تلك الانتصارات يعد شرطاً أساسياً في تحقيق الانتصار في الحرب، وضامناً لعدم ضياع محصلة الانتصارات في تلك المعارك المقدسية.
على جميع الفلسطينيين أن يجعلوا القدس عنواناً للمعركة مع الكيان الغاصب على كل الجبهات ، وأن لا يتأخروا في تقديم الدعم والمساندة للمقدسيين الصامدين في خط المواجهة الأول، وخصوصاً أن القدس والمقدسيين هم الأقل تأثراً بلوثة الانقسام الفلسطيني ومسبباته، وبالتالي تمتلك القدس القدرة على تشكيل عنوان وحدة لكل الفلسطينيين، فالقدس يعشقها الجميع، ومن أجلها تراق الدماء ، الأمر الذي كان واضحاً في دخول الضفة وغزة وعرب 48 والشّتات الفلسطيني على خط المواجهة مع الاحتلال منذ بدايات انتفاضة رمضان في باب العمود.
لقد خذل بعض الحكام العرب القضية الفلسطينية وباعوها بثمن بخس للاحتلال الصهيوني خاذلين أنفسهم الذليلة قبل غيرهم، فيما يواصل الفلسطينيون في داخل فلسطين مقاومة الاحتلال وبقوة ,الامر الذي يوجب على جميع الشعوب المحبة للسلام أن تسعى لإزالة هذه الغدة السرطانية التي جاء بها المحتل البريطاني والاستكبار العالمي وزرعوها عنوة في أرضنا لاستنزاف خيراتها ومقدراتها .
لكن رغم كل ما يقوم به الاحتلال من مجازر, إلا إن الأزمات العميقة داخله الاجتماعية، والسياسية، والأخلاقية “بدأت تظهر على السطح بشكل واضح وقوي”، كما أشار إلى ذلك س ي د ا ل م ق ا و م ة وكثيرون من الخبراء الصهاينة “بدؤوا يتحدثون عن قلقهم على بقاء هذا الكيان في ظلّ هذه الأزمات العميقة”.
فباتوا يجمعون إلى حد كبير على “أن إسرائيل تقاتل على وجودها واستمرارها”، ما يثير القلق الوجودي لديهم كلما واجهت تلك الدولة مأزقا أو أزمة معينة، فتحولت إلى ما يمكن أن نسميه “دولة الأزمات الوجودية”، وتحولت كافة العناوين لديهم إلى عناوين وجودية ترتبط ارتباطا جدليا بأمنها ووجودها ومستقبلها.
وأصبح هاجس عدم تخطيها “العقد الثامن” يؤرق حكامها، وكبار مفكريها، وحتى حاخاماتها.
فمن خلال المتابعة نلاحظ بأن هواجس الوجود تتفاعل على أجندة الجدل الصهيوني-اليهودي بقوة، ونلاحظ كيف أصبحت دولة “إسرائيل” تحت وطأة القلق وأسئلة المصير القادم، وأديباتهم وتنبؤاتهم في ذلك متزايدة، فها هو إبراهام بورغ رئيس الكنيست سابقا في مقدمة الذين يتنبؤون ( في ملحق هآرتس) بـ”أن إسرائيل مشروع صهيوني يحمل بذور زواله في ذاته-” ، وكاتب إسرائيلي ثاني – ناحوم برنياع- يديعوت أحرونوت”، يقول “إن إسرائيل وجود مفتوح للجدل وثالث -إبراهام تيروش- معاريف “يتساءل: هل أوشكت “دولة اليهود” أن تكون “مشهداً عابراً ، بينما شكك العالم الصهيوني الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، “إسرائيل أومان” باستمرار وجود الدولة العبرية على المدى البعيد، مشيراً إلى أن “عدداً كبيراً، وأكثر مما ينبغي من اليهود لا يدركون لماذا هم موجودون هنا”.
كما أشار الوزير نفتالي بينيت المنتمي لتيار “الصهيونية الدينية”، ليس بصفته زعيم اتجاه ديني سياسي فحسب، بل كوزير للأمن، حيث قال خلال مؤتمر صحافي تحدث فيه عن التهديدات الأمنية التي تواجه الكيان الصهيوني، وفق ما نقلت صحيفة “ماكور ريشون”، “إننا داخل العقد الثامن لدولة إسرائيل، وفي تاريخنا كله لم نتجاوزه ورسم صورة قاتمة لواقع ومستقبل إسرائيل .
يقول المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس ( خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض إما مطاردة أو مقتولة وصاحب الحظ هو من يستطيع الهروب إلى أمريكا أو أوروبا )
كما يقول المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية روني دانييل ( أنا غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة ولا أظن أنهم سيبقون في هذه البلاد )
أما هاجس المفكرين كان آخر من عبر عنه مئير بن شاحر والجنرال احتياط النائب عوزي دايان في مقال مشترك لهما في صحيفة “معاريف” أعربا فيه عن مخاوفهما من أن يكون العقد الثامن “فتاكا بإسرائيل”
ويقول الشاعر الإسرائيلي المعروف ناتان زاخ ( 81 ) عاما- الشاعر والمحرر والمترجم والناقد في مقابلة مع صحيفة “معاريف- 31/12/2011: “إن هذا الشيء الذي يدعى إسرائيل، شعب تجمع من دول مختلفة، أصحاب لغات مختلفة، ثقافات مختلفة وقيم وعادات مختلفة لا يمكن توحيدها تحت ضغط عدو خارجي”. وقال زاخ في خاتمة قراءته لمستقبل إسرائيل إنه “لا يعتقد أن إسرائيل ستصمد طويلا”.
بينما لخص رون بن يشاي محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت-30/12/2011- بأن سنة 2011 زادت الوضع سوءا بكل ما يتعلق بأمن إسرائيل”، مشيرا إلى “أنه لا يوجد أي مكان في إسرائيل اليوم يقع خارج مرمى صواريخ إيران وسوريا وحزب الله وقطاع غزة”، موضحا: “إنّ مخزون الصواريخ المذكورة تطور كما ونوعا وبلغ مائة إلف صاروخ، ثلثها صواريخ وقاذفات ثقيلة ومتوسطة موجهة نحو منطقة وسط إسرائيل.
ولاحقًا كشف سفير تل أبيب السابِق بواشنطن مايكل أورن، النقاب عمّا أسماه بسيناريو نهاية إسرائيل”، ناقلًا عن مصادر رفيعةٍ في المجلس الوزاريّ الأمنيّ-السياسيّ المصغّر بتل أبيب أنّ 4000 آلاف صاروخ دقيق ستسقط يوميًا على الجبهة الداخليّة، وأنّ منظومات الدفاع ستنهار وأنّ الدولة العبريّة ستدخل إلى حالة شللٍ تامٍّ(-هآرتس 2020/12/21)
أما الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي العام “الشاباك”، يوفال ديسكين فأشار بمقاله في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هناك “سؤالا وجوديا استراتيجيا ,هل تتمتع إسرائيل بالتماسك الاجتماعي والمرونة الاقتصادية والقوة العسكرية والأمنية التي سيضمن وجودها الجيل القادم؟”.
وأما هاجس الحاخامات فهو من جهة النبوءات التوراتية المتكررة، التي تشير إلى زوال الكيان الصهيوني في الفترة بعد سبعين سنة من قيامه.
بينما تنبأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIAالحليف الاستراتيجي لـإسرائيل” من جهتها بزوال “إسرائيل” معربة في تقرير سري مسرب عام 2010. – عن شكوكها في بقاء اسرائيل بعد عشرين عاماً. ، مضيفة: “أن أكثر من مليوني إسرائيلي بينهم 500 ألف يحملون البطاقة الخضراء أو جواز سفر سوف يتوجهون إلى أميركا خلال الأعوام الـ15 المقبلة، وأن حوالي مليون و600 ألف إسرائيلي يستعدون للعودة إلى أوطانهم في روسيا وأوروبا الشرقية والغرب”. وتنبأ التقرير عن تحوّل مشروع حل الدولتين غير القابل للتطبيق الى مشروع حل الدولة الديمقراطية الواحدة والتي يتمتع فيها المواطن بغض النظر عن عرقه أو قوميته بكامل حقوق المواطنة بالتساوي. لأن حل الدولة الواحدة هو الحل المنصف والذي بدوره سوف يلقي بضوئه الساطع على شبح الدولة العنصرية.
وأشار التقرير الذي أعدته 16 مؤسسة أمريكية بإشراف الوكالة، تحت عنوان “الإعداد لشرق أوسط في مرحلة ما بعد إسرائيل” ـ إلى أن انتهاء دولة الكيان الصهيوني في فلسطين أصبح قريبا حتما. وخلص التقرير الى أنه بدون عودة لاجئي عام 1948 و1967 فلن يكون هنالك حلّ دائم ومستقر في المنطقة.
حتى رئيس وزراء الصهاينة نتنياهو يقول (سأجتهد لأن تبلغ اسرائيل عيد ميلادها المئة , لكن ذلك ليس بديهيا” فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة).
إن أكثر من 70% من الصهاينة في الكيان الغاصب يعربون عن انعدام ثقتهم بصورة مطلقة بصورة “إسرائيل” السياسية – الأمنية، وكذلك أركان ذلك المجتمع الصهيوني، أخذوا بجموعهم يتحدثون ويتساءلون بقلق متزايد عن مستقبل “إسرائيل” ومستقبل المشروع الصهيوني.
إن كل ذلك يدفع الدولة الصهيونية نحو مزيد من التصعيد، ونحو مزيد من الحروب التي من شأنها أن تعجل في نهاية هذا الكيان.
لدي إيمان مطلق بأن هذا الكيان المصطنع سيزول مهما طغى وتجبر ,لأنه تأسس بالقوة على أرض ليست أرضه وطرد منها شعبها الفلسطيني, ,وفي بيئة ليست بيئته وجمع شتاته من كل بقاع العالم وتحركه العنصرية الصهيونية , التي لا تقيم وزنا” لأي حق أو مبدأ إنساني. فهذا الكيان كذبة شيطانية ، ودولة مصطنعة مزروعة بفعل القوة الغاشمة، وأصبحت الدولة الاسوأ والأخطر والأبشع على وجه الكرة الأرضية، وتمثل دولة الإرهاب وجرائم الحرب والعنصرية في المنطقة والعالم.
لذلك يجب أن تبقى جذوة النضال الفلسطيني وقواه الداعمة في محور المقاومة عامرة ضد هذا الكيان حتى إزالته من منطقتنا وأرض بلاد الشام , فهذا العدو لا يحتمل خسارة أكثر من حرب واحدة ولنا في محور الم ق ا و م ة القدوة والمثل . وسيذهب العملاء والمطبعون إلى الجحيم.
وسيظل يوم القدس العالمي شاهد حي على هذا النضال حتى التحرير .