يا ظريف الطول ..”!
يذهب مسؤولو الدول النامية والفقيرة الى الدول الغنية عادة ،حاملين في جعبتهم حزمة من المطالب المشفوعة بالتمنيات لمساعدة بلدانهم لكي تقوم من كبوتها الاقتصادية والمعيشية ،إلا وزير خارجية إيران فإنه يأتي الى لبنان مستعطفا خاطر حكومتنا "الكونية" حاملا حزمة من الاقتراحات لمساعدة لبنان على تفادي الانهيار ،كان قد عبر عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
سوف يسمع محمد جواد ظريف في لبنان مواقف "ظريفة جدا" تتراوح مضامينها بين الترحيب والرفض والغنج والتحفظ،وهو يعرف سلفا أن ليس في لبنان دولة واحدة موحدة متجانسة منسجمة مع نفسها ،بل مجموعة مزارع هي نتيجة منطقية لهذا النظام السياسي الطائفي الذي يتمسك به معظم الحاكمين.
سوف يلتقي ظريف جميع الحلفاء والأصدقاء وينصت الى وجهة نظرهم ،لكنّ لقاءه الأهم سيكون مع رئيس الحكومة سعد الحريري،لأن مفتاح القبول والرفض في جيب "صاحب الدولة" .
أتصور أن سيناريو اللقاء سيكون على النحو الآتي:
ظريف: دولة الرئيس ،أود بداية أن أنقل اليكم تهاني القيادة الإيرانية بتشكيل الحكومة الجديدة.وأود ثانيا أن أبدي استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته .فلدى ايران اليوم إمكانات يمكن للبنان أن يستفيد منها في شتى المجالات،لكنني سوف أركز على قطاعات الكهرباء والدواء والمواصلات.وتستطيع ايران توفير الطاقة الكهربائية للبنان بأقل من عشرة سنتات للكيلووات،بينما تتكلفون اليوم ثمن الكيلووات بنحو 24 سنتا.أما الدواء فنحن نعرف أن تكلفة فاتورة الدواء السنوية في لبنان تتجاوز 1200 مليون دولار ،ونحن نستطيع تخفيضها الى 400 مليون دولار .أما في مجال المواصلات فلدينا شركات رائدة في هذا المجال وسبق لها أن عملت في لبنان بتكلفة متواضعة.
الحريري: نشكركم معالي الوزير على التهنئة وعلى استعدادكم لمساعدتنا .ولكن نحن بلد صغير وضعيف،ومحكوم بعلاقات ضاغطة ترفض التعامل مع الجمهورية الإسلامية ،وفي طليعتها الولايات المتحدة تساندها معظم الدول العربية ،وهؤلاء يمكنهم فرض حصار على لبنان لا طاقة لنا على مواجهته ،في وقت تعانون أنتم كجمهورية إسلامية من هذا الحصار ،ولن تتمكنوا وحدكم حينها من مساعدتنا .لذلك نرجو منكم أن تتفهموا واقعنا ،فنؤجل هذا البحث الى مراحل لاحقة ،لعل الأمور تنفرج بينكم وبين الأميركيين والأخوة العرب.
ظريف:نحن نتفهم واقعكم دولة الرئيس ،ولكن هناك خمس دول محيطة بنا تدور كلها في الفلك الأميركي ،ومع ذلك تتزود بالكهرباء والدواء من إيران ،ولا يفرض عليها الأميركيون أي حصار أو عقوبات .
الحريري:على كل حال دعنا نتدارس هذا الموضوع مع المكونات اللبنانية الأخرى ،خاصة وأن ثمة فريقا لبنانيا يرفض تماما المساعدات الأيرانية.أرجو أن تتفهموا أوضاعنا .
عند هذا الحد ينتهي النقاش بين الحريري وظريف الذي سيخرج من السراي الحكومي شاكرا الحريري على هذا اللقاء "المنتج"،وهو يعرف سلفا أن فريقا لبنانيا يرفض مجرد الهواء من إيران.
كثيرون في لبنان سوف يشكرون الحريري على موقفه من دون أن يحملوا وزر الرفض للمساعدة الإيرانية ،وهؤلاء هم الحالمون بإدارة قطاعي الكهرباء والدواء وفق الصيغة المكلفة القائمة الآن.
على الهامش،
بعد حرب تموز 2006 ،تكفلت ايران ببناء أحد عشر جسرا هدمها العدوان الإسرائيلي .وبعد انجاز هذه الجسور صرح السفير الإيراني في لبنان آنذاك بأن كلفة هذه الجسور بلغت 33 ميلون دولار.يقال إن رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة استدعاه ووبخه على هذا التصريح ،لأن دراسة مجلس الانماء والاعمار أشارت الى أن تكلفة هذه الجسور تبلغ 110 مليون دولار ،ما يوحي بأن اللبنانيين أغبياء أو لصوص.
أرتبك السفير الإيراني ولم يُجب بما يجب ،لأن اللبنانيين يعرفون الجواب جيدا..
أحد الظرفاء علق على زيارة وزير الخارجية الإيرانية للبنان بالقول: يا ظريف الطول..حلّ عنا !!!