وْمِنْ الشبّاك… لَرْمِيلَك الدستور..ومُندَرَجاته(حيان حيدر)
بقلم د.حيّان سليم حيدر – الحوارنيوز
كان اللبنانيون، فكان لبنان الكبير… وكبيرة كانت خلافاتهم ومكايداتهم. وتعاقبت العهود، وتغيرت الوعود، فتراكمت المواقف والشعارات والخصومات.
وفي كلّ عهد، ينقسم اللبنانيون بين مسانِد ومعانِد، وتتوسّع الإنقسامات بين شغور مضى وشغور آتٍ، بين مُفسّر مُبرّر وبين مُقرّر، ومع بداية العهد ينقسمون بين مُؤيّد ومُعيّد…
ويكثر ما تقرأ أو تسمع سردية، باتت رتيبة، تُعدِّد وتقارن ما بين خطاب القسم وخطاب الحسم لِتسأل: هل سيتمكّن الرئيس من تحقيق كذا… وكذا…؟
والمنظومة، على اختلاف تشكيلاتها وأبطالها ونواياها المُعلنة، غالبًا ما تعود ممسِكة بالعِباد وبالصلاحيات، مَحميّة بالصيغة والأعراف والميثاق والميثاقية والتوافقية والوحدة الوطنية وحقوق الطائفة، وجميعها لها “مُندَرَجاتها”، ومع مختلف مدوّنات السلوك، ولا ننسى النأي بالنفس والحياد على تنوّع مراميه، ومواد شتّى متضاربة في الدستور وفي مقدمته ومنها “المادّي إجْرها من الشباك”، التي أصبحت معروفة بـِ”شبّاك سامي”.
إذن ينشغل اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، منصرفين عن حياتهم وأعمالهم، ينشغلون بـِ “بناء الدولة” فيقتحمون ساحات الكلام… “ينتصرون بأهوائهم أَلـْ “دونكيشوتية” على خصومهم ويتساءلون لماذا الخصم لا يعترف بهزيمته فينهزم؟
وبين بين، يصبح اللبناني خبيرًا “إستراتيجيًا” بالإنهيار المالي ثمّ بالكورونا وبأكل الطُعم، ولاحقًا بعمليات التفجير (المرفأ) وبالزلازل، وبالقرار الأممي و”مُندَرَجاته”.
هم أتباع الزعماء، رعايا ملوك الطوائف، المتاجرين بالديَن (والدَيْن العام) والدنيا، وليسوا مواطنين. هم، وزعماؤهم، جعلوا من لبنان أرخبيلًا من المعتقلات الطائفية المذهبية الزبائنية. جميعُهم … أي “كلّنْ يعني كلّنْ”. هي لعنة العصبيات والغرائز.
هذه هي طبيعة البشر… الجاهل، الذي ينطبق عليه وصف الشاعر في قصيدته المهداة إلى روح المعرّي حين قال:
” والناس فيها مثلما خلتهم:
هذا أخو كيدٍ، وذا أكْيَدُ ” (*)
– 1944 –
إذن، هو الكيد بِمِكيادين !..
ومن دون الإسترسال في إستحالة حالتنا يسألني الحريص: “طيّب هذه طالما كانت حالنا، فماذا تقترح يا حيّان؟”.
من منطلق أنّ النقاش السياسي الذي يمكن إختصاره بأوامر كلامية من نوع يجب وينبغي وعليكم أن وأنا اوّل مَن…، أي الكيد المتبادل، لا يجدي نفعًا، فالكايد والمكيود لن يغيّرا شيئًا، إذ أنّ القرار يبقى بيد الآخرين، في مكان آخر… بعيد على حدود الشفق.
بعد هذه المقدمة-الوصف أقول للبنانيين إنّ المعنيين بالقرار في بداية كلّ عهد لا يتجاوز عددهم المئات في أوسع حال. فلنضِف إليهم جماهير المستوزرين والمستشارين المحتملين وما إليهم، سنعتبر أنّ هناك عشرة آلاف أو عشرين ألف لبناني سيشاركون في الإدلاء بدلوهم، فماذا أنتم، أيها الملايين الخمسة المتبقية، فاعلين؟ أقول لكم:
تعالوا إلى حيث العمل الايجابي البنّاء، إلى عمل يمكن لكلّ واحد منا القيام به، وهو، بالمناسبة، واجب عليه، وبالتالي يمكن لنا المساهمة من خلاله في بناء وإعادة بناء، ولو بالحدّ الأدنى، ما كان من مفهوم دولة مستقرّة ومواطن صالح.
تعالوا نُنَفّذ أبسط الأمور التي ستجعل منكم، حتمًا، مؤثّرين (influencers).
وأقترح أن نبدأ بأسهل الأعمال المتاحة، فبدل أن تُنظِّروا في إستراتيجيات الدولة العليا:
– أفرزوا القمامة في المنزل إلى مكوّناتها بما يساهم في النظافة، الخاصة والعامة، وفي الحفاظ على بيئة سليمة وفي ما يسهّل عمل السلطات العامة والبلدية المولجة بهذه المهام، والأمر سيُحدث وفرًا كبيرًا في الماليتين العامة والخاصة،
– إحترموا قانون السير في شوارعنا وطرقاتنا ومواقفها، إحترموا كلّ “مُندَرَجات” قانون السير ومعكم لتحترم السلطات المعنية تطبيق قانون السير،
– سدذدوا الضرائب و”مُندَرَجاتها” في أوقاتها،
– قفوا بالصفّ حيث يُطْلب منكم ولا تعتبروا تجاوز الصف بطولة،
– طالبوا بإلغاء كلّ وجميع مظاهر التمايز عن الغير مثال الرخص الرسمية والعسكرية والأمنية والسياسية من نوع حمل السلاح والزجاج الداكن ووضع إشارات “مميزة” على السيارات، ومن فظاظة المرافقين وغلاظة الدُشَم، وما إلى ذلك،
– … … واللائحة تطول وأنتم أعرف الناس بها، ولكن فلنبدأ بما سبق، وأضيف:
– على أن يتقدّم عموم اللبنانيين في احترام الإنسان والقانون، المسؤولون المولجون تطبيق القانون والقرارات، بصفاتهم المتعددة وبذهنية تطبيق الإجراءات بِأَساليب “صديقة” (friendly)، نعم صديقة، في التعامل مع شؤون المواطنين وفي مقدّمها إستيفاء الضرائب والرسوم.
وفي هذه المرحلة أخفضوا من السقوف العالية في التوقعات والإنتظارات والرغبات.
نعم، عليكم أن تعيدوا إختراع (Re-invent) اللبناني الجديد، أن تعيدوا إطلاقه (Re-start)، أن تعيدوا شحنه (Re-load)، أن تعيدوا تحديثه (Up-date)، ان تعيدوا إنعاشه (Refresh)، ومن ثمّ أن تعيدوا تشغيله (Reboot).
وبعد هذا كلّه ، وبكلّ إيجابية، لكم الخيار: إمّا سلوك هذا الدرب نحو نهوض الدولة، أو البقاء
” هذا أخو كيدٍ، وذا أكْيَدُ “
والسلام.
بيروت، في 25 كانون الثاني 2025م.
حيّان سليم حيدر
من خارج الكيد الطائفي
___________________________________________________________
(*) سليم حيدر – ديوان “آفاق” – قصيدة “سراب” – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – 2016