ويسألونك عن تشكيل الحكومة : شرطان أحلاهما مرّ!
كتب واصف عواضة:
سألتني الأسبوع الماضي إحدى الإذاعات المحلية عن إمكانات تشكيل الحكومة الجديدة ،فأجبت على السؤال بسؤالين:
هل كان من قبيل الصدفة أن تصدر العقوبات الأميركية على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس،على قاب قوسين أو أدنى من توصل الرئيس المكلف مصطفى أديب الى تشكيلة حكومية مقبولة ومعقولة؟
وهل كان من قبيل الصدفة أن تصدر العقوبات الأميركية على الوزير جبران باسيل ،وهو رئيس التيار الوطني الحر وزعيم أكبر حزب مسيحي في لبنان والصهر الأحب الى قلب رئيس الجمهورية اللبنانية ،في الوقت الذي كان الرئيس المكلف سعد الحريري يستعد لإطلاق تشكيلته الحكومية بتسوية مرضية لدى غالبية القوى الوازنة؟
اليوم،لعله من حق أي مواطن لبناني أن يطرح هذين السؤالين على نفسه وعلى الآخرين ،إذ من السذاجة بمكان في هذا المجال تبرئة الإدارة الأميركية من دم التعطيل الحكومي في لبنان.ولعله من السذاجة أيضا الاعتقاد بأن القوى السياسية اللبنانية هي سيدة نفسها ،لدرجة تجاهل الرسائل الأميركية الواضحة على هذا الصعيد.وليس بالضرورة أن تكون هذه القوى تعمل في خدمة الساحر الأميركي،ولكن ما دامت الواقعة قد وقعت وفرضت العقوبات، فلعل ردة الفعل ينطبق عليها قول أبي الطيب المتنبي حيث قال:
رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبال
فصرت اذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا
لأني ما انتفعت بما أبالي
ولعله أيضا وأيضا من باب السذاجة المدقعة الاعتقاد بأن الإدارة الفرنسية لم تفهم الرسائل الأميركية ،على الرغم من المعاندة التي تبديها في مواجهة هذا الواقع ،لعلها تحفظ ماء الوجه بعد زيارتين حافلتين لكبير هذه الإدارة الى لبنان الرئيس إيمانويل ماكرون.
في الخلاصة ،ممنوع على أي كان أن يمد يده الى لبنان متجاوزا الإدارة الأميركية ورؤيتها لمستقبل البلد.فالبيت الأبيض في عهد دونالد ترامب الذي يعاند نتيجة الانتخابات الرئاسية ،عاقد العزم على ألا يترك لبنان لمشيئة أبنائه ،ولا حتى لمشيئة غيره،حتى اللحظة الأخيرة من ولايته. ولم يعد سرا من الأسرار ماذا تريد الإدارة الأميركية الحالية من لبنان،بما تبقى لها من عمر،خدمة للدولة العبرية ومصالحها.
على هذا الأساس ليس غريبا أن تتعطل مسيرة تشكيل الحكومة اللبنانية في ظل رئيس مكلف عالق بين مجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية،وهو يعرف تماما أن الإقدام قد يكون مكلفا.فتناحر الأصدقاء بالنسبة إليه ،قد يكون أكثر كلفة من تناحر الأعداء.والعبرة في ما مضى من وقائع..وكفى!
بناء على ما تقدم ،ثمة شرطان لتشكيل الحكومة الجديدة في المدى المنظور أحلاهما مر:
– إما الاستجابة لمطالب الداخل ، وهذا يعني القفز فوق المعايير الفرنسية والأميركية ،وفوق رؤية الرئيس المكلف الذي ألزم نفسه بمعايير فوق طاقته.
– أما الشرط الثاني فبات مستحيلا بعد العقوبات الأميركية ،وبات يحتاج الى وساطة أبي الطيب المتنبي نفسه لتعديل قصيدته العصماء!
يبقى أن لعبة عض الأصابع،لن يسمع صراخها إلا في حناجر الناس:دولار وأسعار ومزيد من الإفقار!!