نظم “منتدى الاعلام في لبنان” لقاء الأصدقاء، في ذكرى أربعين الإعلامية سمر شلق الحاج، تحت عنوان “وقفة تحية ووفاء” في “مسرح المدينة” ببيروت، بحضور شخصيات سياسية وإعلامية واجتماعية.
بداية، عرض وثائقي عن حياة الراحلة ونضالاتها، ثم كلمة افتتاحية للاعلامية ثريا عاصي توجهت فيها الى الحضور بالقول: “تجتمعون تكريما لمن كانت الأيقونة على صدور المناضلين في الأزمنة الصعبة”. وسألت: “أي موقف هذا الذي دفعت اليه لأرثي حبيبة استباحتني الهاما واعجابا، وبأي لغة أخاطبك أيتها المتوهجة فينا روحا وعزيمة؟”. وقالت: “إننا يتامى بغيابك، فقد اعتدنا أن نقرأ عظمة شخصيتك في عينك وصوتك وابتسامتك واستخفافك بالصغائر في أحرج المحطات”.
قرداحي
وكانت كلمة للوزير السابق للاعلام جورج قرداحي عدد فيها مزايا الراحلة، وقال: “تحية من القلب الى روح البطلة سمر الحاج هذه الشخصية المكونة من خلطة فضائل يفوح منها العطر والتور والصدق والمحبة. هي شخصية فريدة أنعم الله عليها بالعقل والجرأة والثقة بالنفس وروح التحدي، تحدي الظلم والباطل والكذب وتزوير الحقيقة، كاللبوة وقفت تدافع عن الحق والحقيقة، تدافع عن الضباط الأربعة وبينهم زوجها اللواء علي الحاج، ولم توفر مناسبة أو وسيلة إعلامية محلية أو أجنبية إلا وصرخت بأعلى الصوت أن ما كان يحصل هو ظلم وتزوير وافتراء واعتداء، وكانت على سنوات الظلم هي الصوت الصارخ حتى وصل دويه الى أرجاء الضمير في لبنان والعالم، وكانت دائما على حق وكانوا هم الحقيرين الظالمين وبرىء الضباط الأربعة وانتصر الحق وانتصرت سمر الحاج”. حمدان
بدوره، قال أمين الهيئة القيادية في حركة “الناصريين المستقلين – المرابطون” مصطفى حمدان: “سمر هذا الفيلم الذي عرض من إعداد أصدقائك الذين يعرفونك جيدا، لا يمكن أبدا أن تصنف بأي تصنيف إلا أنها شهيدة شهيدة. سمر بهذه الحياة المناضلة والمكافحة، لا يمكن أن تسقط كمان يسقط أي إنسان آخر. سمر بنضالها وكفاحها، كانت مشروع شهادة من أول نهار، وبصراعها ضد المرض سقطت شهيدة”. أضاف: “أذكرها في مارون الراس فوق تلال هضاب فلسطين فوق الجليل، عندما أمسكتني من يدي بطريقتها المعهودة، وقالت لي ان شاء الله أستشهد أنا وإياك، إما أن نكون شهداء في الطريق إلى القدس، وإما أن نصلي في باحات الأقصى وفي كنائسها”. وتابع: “سمر ما بكيتك الا فرحا ولن أبكيك إلا فرحا، وسنبكيك جميعا مع جميع الأحرار في هذا الوطن وفي هذه الأمة من محيطها إلى خليجها العربي، سنبكيك فرحا بإذن الله يوم الفرح العظيم”. وختم: “سمر هي سر كفاحنا، سمر هي القدس وسر فلسطين من جليلها إلى نقبها، ومن بحرها إلى نهرها، سمر هي سر انتمائنا إلى جمال عبد الناصر، سمر هي سر الانتصار على أرض الجمهورية العربية السورية، سمر هي سر النضال من أجل الفقراء في لبنان، سمر هي الثورة الباقية في قلوبنا وعقولنا، سمر ورحمة ترابك على العهد والوعد بكل ما قمت به حتى نحققه”. سعادة
وقالت النائبة السابقة في مجلس الشعب السوري ماريا سعادة: “ترحلين يا سمر وأنت لا زلت باقية فينا أبدا،…يا درسا في الوفاء وفي الإيمان وفي الوطنية، امرأة بألف رجل في زمن أصبحت الرجولة فيه ندرة، والوفاء تهمة والبطولة من زمن الجاهلية. ترحلين يا سمر وتتركين المكان ممتلئا بك فحضورك لا زال حاضرا، أعطيتنا دروسا في الحب والعطاء ومثالا في إرادة الحياة، علمتنا جميعا معنى الوفاء، فأنت الوفاء وكل العطاء وصاحبة القضية. زوجة وأم أمينة لا تحمل إلا الحق سلاحا والإيمان شجاعة لتصرخ في وجه الظلم فكنت الوفية، مقاومة عنيدة دافعت عن الحق ولم تضل الطريق فكانت أغنيتك في لبنان وعرسك في دمشق وبوصلتك القدس وقضيتك فلسطينية”. أضافت: “في غمرة الحرب ملأت الحياة أملا لا بل إيمانا بالنصر، والنصر لا يرسم إلا في سورية، دافعت عنها حين تخاذل كثيرون وباعتها دول…ونأت بالنفس تيارات سياسية. في الإعلام كنت علما وكنت شرفا لا يحمله إلا المناضلون، وفي النضال كنت صوتا صارخا في البرية. أسقطت نظرية حيادية الإعلام وعلمتنا أن المنابر فقط لأصحاب القضية لم نبكيك إلا فرحا فكنت السند،…كنت الوطن وكنت القضية”. وختمت: “كبيرة أنت يا سمر والكبار لا يرحلون، فذكراك ستبقى أبدا، وستبقين بيننا ونحن على العهد باقون ما بقي لبنان مقاوما وصمدت فلسطين وانتصرت سورية”. … حمادة وتحدث الدكتور حسن حمادة عن المواطنة والوطنية والنظام، وقال: “تجربة سمر الحاج لا يجوز المرور عليها مرور الكرام، تجربة تستحق التأمل والدراسة في زمن تفشي وباء الانحطاط من المحيط الى الخليج، فكم بالحري في لبناننا الحبيب الجريح المعذب؟ يتناتشه وحشان: وحش الفساد ووحش الغزاة، يتوزع اهله على معتقلات طائفية ومذهبية محشوة بالكراهية والأوهام تسود فيها العبودية الجديدة تحت شعار كاذب خبيث اسمه تعايش العائلات الروحية، انه الفصل العنصري الحقير السافل المنحط الذي يمنع قيام دولة للشعب اللبناني”. أضاف: “اختبرت سمر النظام اللعين هذا واستقالة الشعب التائه الذي سقط الى ما دون الشكل الاجتماعي فاستقر في دوامة الضعف المستدام، نحن في حاجة الى عزيمة هذه الباسيونارية اللبنانية لحقن شعبنا من جديد بمادة الكرامة الانسانية والوطنية المصادرة من نظام المعتقلات الطائفية والفرز العنصري، هذا هو الشرط لعودة الحياة الى الشعب كممر إلزامي للارتقاء به مجددا الى مستوى الشكل الإجتماعي، ولا يكون ذلك الا باستنهاض النخبة المعاكسة، التي وحدها تصنع الأكثرية المعنوية الكفيلة بقيادة الأكثرية العددية الفارغة الهوجاء الى مشروع الدولة القائمة على العدل الاجتماعي الإقتصاد والحقوقي”. عواضة
من جهته، قال الإعلامي واصف عواضة ممثلا نقابة محرري الصحافة وبصفته زميلا للراحلة من قدامى “تلفزيون لبنان”: “عرفت سمر الحاج في مطالع التسعينات، قبل ثلاثة عقود من الزمن، يوم اقتحمت ساحة تلفزيون لبنان لتقدم برنامجا حواريا راقيا، فلفتت انتباهنا الى ضرورة التمرد على الاعلام الرسمي التقليدي الذي يتغاضى عن هموم الناس وأوجاعهم وآلامهم لصالح المنظومة الحاكمة. وكان على رأس المؤسسة إعلامي محترف هو الأستاذ فؤاد نعيم، فتعاونا يومها جميعا على طرح أفكار وبرامج وثقافة غير تقليدية، ما دفع بتلفزيون لبنان في تلك المرحلة إلى الصف الأول. ويسجل لسمر الحاج أنها كانت إبنة تلك المرحلة. كنت يومها رئيسا لتحرير الأخبار في تلفزيون لبنان. لم تبخل سمر بأفكار عدة كانت تطرحها بين الفينة والأخرى، وكان من شأنها تعزيز نشرات الأخبار في ذلك الحين، والخروج من دائرة التشريفات الإخبارية الى فضاء أوسع شمل كل شرائح المجتمع. وهكذا تغيرت الثقافة الإعلامية لتلفزيون لبنان”. أضاف: “سمر الحاج كانت لها لمسة في تلك المرحلة، كما أشارت الزميلة ريما فرح في الفيلم التسجيلي، وذلك من أجل النهوض بهذه المؤسسة، على الرغم من أنها في حياتها النضالية في ما بعد لم تساوم ولم تهادن. نعم كانت مثلنا تقبل الآخر كما هو لكنها لم تكن تساوم أو تهادن في قناعاتها. من فلسطين إلى سوريا إلى اليمن، إلى كل مطرح شعرت فيه سمر الحاج بظلامة ما، كانت تتقدم الصفوف. ولعل الظلم الأكبر الذي أحست به سمر يوم زج بشريك حياتها في السجن مع ثلاثة من رفاقه، وهي مؤمنة تماما كما نحن، أنهم أبرياء كبراءة الذئب من دم يوسف”. وتابع: “حملت سمر لواء الضباط الأربعة ودارت به دورة الزمن، ويوم أفرج عنهم وثبتت براءتهم من دم الرئيس الحريري، قلت لسمر يومها ممازحا (ثم كتبت مقالا بهذا المعنى في صحيفة السفير): إن حالك الآن كحال السيدة فيروز في مسرحية “لولو” التي سجنت ظلما 15 سنة، وعندما ثبتت براءتها طالبت بحقها في سجن من تريد 15 سنة. وأنت يا سمر اختاري من تريدين لسجنه 16 سنة هي من حق الضباط الأربعة”. فرح
أما الإعلامية ريما فرح رفيقة سمر الحاج، فعددت ما أسمته “أخطاء سمر الحاج”، ومما ورد فيها: “أخطأت سمر حين وثقت ببعض الناس وهم ليسوا أهلا لنيل ثقتها، وحين انخرطت في العمل التطوعي لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة والمحتاجين سواء في المخيمات او في أماكن البؤس خارجها، في حين كان الكثيرون يؤسسون جمعيات تتاجر بهذه الفئة من الناس وتجمع على حساب قضيتهم الملايين وراكموا اكبر الثروات. اخطأت في تلفزيون لبنان فتحت الهوا لقضايا الشباب وآرائهم في لبنان المستقبل، للمعارض وللموالي، ورفضت أن تطبل وتزمر للسلطة، الامر الذي ابعدها عن التلفزيون وحرمها من أعلى المناصب. أخطأت حين مدت يد المساعدة لناس بادلوها في أزمتها (أزمة اعتقال زوجها ورفاقه الضباط الأربعة) بالخنجر. أخطأت سمر لأنها لم تتقوقع عند حدود مذهبها، واعتبرت ان هويتها الوطنية هي جواز العبور للمواطنة وقيام لبنان الواحد وليست الهوية الطائفية، فخسرت فرصا كثيرة في تبوؤ أعلى المراكز في بلد المزارع الطائفية، الى آخر تفصيل سياسي”. وختمت: “أخطأت وأخطأت وأخطأت، لكن في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول لسمر: سمر شلق الحاج: نحترمك ونعدك بأن تبقى أخطاؤك دليلا لكل الطيبين”. الحفيدة الحاج
وتحدثت حفيدة الراحلة الطفلة تاليا صلاح الحاج متوجهة الى جدتها بالقول: “كثيرون قالوا في موتك: غابت شمس الحق، وأنا أقول لك تبقين صوت الحق وانت الشمس التي لن تغيب”. الشاعر الحاج وألقى الشاعر أحمد حسن الحاج قصيدة رثى فيها الراحلة بالقول: “أنت قلت ام صلاح لها هتفوا، كل الأحبة بالأفضال إعترفوا، لا تحسبن رحيلا إذا رحلت، صمتا وإجلالا لها نقف”. اللواء الحاج
وفي الختام، شكر زوج الراحلة اللواء علي الحاج الجميع على مواساته بفقدانها، وللمنتدى الإعلامي في لبنان على لفتته، وقال: “إنها لوقفة عز مع عمر شمخ بحاملته وسنين اغتنت بصاحبتها، نضالا وصدقا ووفاء وثباتا، فاجتمعت الصفات كلها بأم عربية من لبنان، فكانت السنوات أكبر من العمر، وزادت حياة سمر سنينا وسنين. فيا أيتها الأم للمظلوم سندا وللمستضعف دعما وللوفاء مسكا وللقضية سيرة واعتبارا، ولجيش الوطن ومقاومته وأهله أيقونة ولسوريا وطنك الثاني بصمة فخار، ولقضايا المنطقة والإقليم موقفا ملتزما ومسارا، كنت مع الحق عنوانا ومع الحقيقة علما وعرفانا، كنت النبض الذي لا يهدأ والطاقة الإيجابية في زمن الندرة، والصوت الصارخ الخارق لجدار الظلم واسوار الإرتهان والإبتزاز”. وفي الختام قدم المنتدى درعا للواء الحاج عربون تحية وتقدير للراحلة.