وطن الساحات والمعابر(نسيم الخوري)
د.نسيم الخوري – الحوار نيوز
تنتفي الصلات في تخاطب العرب، لتقوى المفارقات والخلافات وتزداد العداوات والإلغاءات وضرب الطاولات وتدمير الأوطان. هكذا تبرز ديناميات ارتباط الماضي بالحاضر في السياسات والعلاقات والمستقبل والتفكير والإبداع ، على الدوام، لتشغل العرب وشعوب العالم التي تستسهل حروب الحذف والإلغاء بهدف التجديد والتطوير والثورة والتغيير والفشل والتآمر.
كان لبنان وطناً وأصبح ساحةً ومعبراً. كانت السلطات فيه برقاً نادراً وراحت تتراجع وتهترئ لتصبح مرتع سرقات ونصب واحتيال وقتل وانقسام لا لحام له. ننتظر بلهاء انهيار السلطات التقليدية ، وأصبحنا نتفرّج بلهاء على انهيار لبنان وتبعثر أجياله وكأنهم ألعاب وأجيال مهشمة مهملة مقمّطة مذ ولاداتها بالقرف والحيرة وكلّ الصفات الدنيئة……إملأوا الفراغ بما شئتم من أوصاف.
ترون شابات وشبابا أفنوا أعمارهم في وطنهم يلفظهم رفوفاً نحو المطارات، ولا مانع من إيقافهم وتقريعهم بارتجالاتٍ مقيتة قاسية في المطارات، وفي هذا وجه أساسي، ربما، من وجوه الريادة في سلخ جلود اللبنانيين، كما في صعوبة انتفاء الصلة المتنامية الكريهة للبناننا بين اليوم وأمس.
تعتمد حركة الشابات والشباب أيّها الزعماء الخفة في الإقامة في عالم “الأون لاين” لا تعنيهم كلمة زعماء قط ولا سحناتهم . ينبذونهم ولا يعنون لهم شيئاً في الحاضر أو المستقبل، لأنهم، وقد عشنا ونعيش معهم في الجامعات هم من فصائل الفئران المُشرقة أبداً ذكاء ويتجاوزونكم تفكيراً وتعبيراً مختصراً ونظافةً وفهماً، وخصوصاً عندما تُطرح عليهم مسائل خاصة بتاريخ بلدهم لبنان أو بتوصيف سلوك زعمائهم الطائفيين البليدين التقليديين.
تشعر نفسك أمام أجيالٍ عظيمة تعلمها وتخرّجها لتُغادر فجراً، وكأنهم ولدوا في رحم وطنٍ ليس في حاضرهم ومستقبلهم ولا في أحلامهم. هم صبايا وشباب يولدون في عالم متشعب من الأبحاث المقننة الدقيقة والدراسات والفرضيات والتجارب التي تسبقها دائماً. كان يمكن لأساتذتهم استيعابها أو فهم مدى تعقيداتها أو أسرارها، لكن وسائل الاتصال رذلتنا وقطعت أمام أجيالنا أشواطاً تاريخية كبرى في وعي وظائفها العائلية والاجتماعية والانسانية والكونية وقدراتهم المعرفية المعقدة الحقيقية، والتي تفوق أي وصف أو فرضية لتأكيد هذه المقدرات أو إثبات نجاحها ونتائجها.
كم يُفرحني أن تُصبح فروع جامعة السوربون والجامعات الأميركية وغيرها من الجامعات العالمية منتشرة في دبي وأبو ظبي وعواصم الخليج، بينما يُحزنني كيف ترهّلت الجامعات في لبنان أمام دكاكين الدكترة وأبنية الجامعات الهزيلة الطائفية .
أرى أساتذة الجامعات في لبنان بالآلاف متظاهرين متنافسين في وسائل التواصل بحثاً عن ال300 دولار، فيفترشون أرصفة لبنان متعاقدين ومتفرغين ومتقاعدين بحثاً عن رواتبهم للإستمرار في تأمين الخبز أو المستقبل ولأحفادهم.
كنا وأصبحنا وقد نبقى طويلاً أمام أجيالٍ هرمة قميئة ينتظرون بوقاحاتٍ لا توصف بالعربية أو في أية لغةٍ أخرى مساعدات العرب لهم، وكأنّ ذلك فروض وواجبات من الغير تكريماً لفشلهم وتخريب وطنهم، وهم باقون حتى يسحبهم الباري إلى الجحيم أو إلى نشوب الحروب والإنفجارات، فيلتحقون بعائلاتهم وأبنائهم وأحفادهم بطائراتهم الخاصة نحو قصورهم المسروقة من جيوبنا في عواصم العالم.