وسائل التواصل في الميزان!
طلال الامام /السويد
تشهد السنوات الاخيرة اتساعا لافتا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ( فيس بوك، ماسنجر ، يوتوب ، غوغول ،انستا غرام وسواهم ) .
يلاحظ المتابع أن استخدام هذه الوسائل ليس محصورا بفئات عمرية محددة أو بجنس بعينه (مستخدميها ذكور وإناث ومن عمر ست سنوات واحيانا اقل الى عمر تسعين عاما ) .مع الاشارة الى ان نسبة الشباب والشابات هم الاكبر .
تقدم وسائل التواصل هذه خدمات مختلفة، من تقديم المعلومات لمختلف الابحاث ( غوغول ) سماع موسيقى ، مشاهدة افلام وحفلات، الى التواصل بين اثنين او مجموعات بالصوت والصورة اضافة للترجمة من لغة لاخرى.
مع بدء جائحة الكورونا شهدت تلك الوسائل انتشارا اوسع فرضته قواعد التباعد الاجتماعي . اذ غدا بعض الموظفين يمارسون مهامهم من المنازل ويتواصلون مع زملائهم عبر النت …كما ان طلاب المدارس ، المعاهد والجامعات يتابعون تحصيلهم العلمي ودروسهم ويتواصلون مع معلميهم واساتذتهم عن بُعد .كما لجات العديد من المؤسسات والجمعيات الحكومية والاهلية لعقد اجتماعاتها الدورية عبر تلك الوسائل ،بل ظهر عدد من المجموعات الموسيقية وهي تغني وتعزف بالطريقة ذاتها .
اعتقد ان هذه الاساليب ستتواصل وتنتشر اكثر واكثر لاسباب عديدة سياسية، اقتصادية واجتماعية .بكلمات اخرى ستحدث تغييرات جوهرية في وسائل العمل والتواصل بين الناس ، وهذا مايدفع البعض الى استخدام تلك الوسائل للسيطرة او توجيه الرأي العام بالشكل الذي يريده وخاصة من قبل من بيده" مفاتيح" تلك الوسائل.
يبدو ان الكثير من اشكال ووسائط العمل المعروفة الان سيطرأ عليها تغييرات جذرية .هناك شركات ،وبدافع زيادة ارباحها، سوف تستغني عن استئجار مقرات للعاملين فيها ومايتبع ذلك من مصاريف ،عبر الطلب من موظفيها العمل من البيت .|||
حدثني احد الاصدقاء ان الشركات الكبرى العابرة للحدود والقارات بدأت تلجأ الى جذب وتوظيف الكوادر العلمية الاختصاصية التي تحتاجها وهي في بلدانها : مثلا مهندس الكترون من الهند يعمل من بيته في الهند لصالح شركة مركزها لندن او ستوكهولم .
ماهي الجوانب السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي ؟
تحدثنا عموما عن ايجابيات/خدمات وسائل التواصل الاجتماعي والتغييرات التي تحدثها ،لكن ماذا عن سلبياتها ؟
عندما اكتشف نوبل الديناميت لم يدر في خلده انه سيستخدم لتدمير البشر والحجر لذلك كفر عن ذنبه بجائزة نوبل للسلام …وهكذا هي الحال مع كل اكتشاف جديد .يمكن ان يستخدم للدمار او للاعمار ، لصالح وخير تطور البشرية او تدميرها .وذلك حسب القوى التي تستخدم تلك الاكتشافات الجديدة واهدافها .
عموما يمكن القول ان وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم قرية صغيرة ، سهلت التواصل بين البشر كما وسعت مجالات التعارف والحصول على الكثير من المعلومات التي تساعد الباحثين والمهتمين الخ
لكن وكما في كل اكتشاف جديد تحاول بعض البلدان و القوى السياسية ، الاقتصادية والايديولوجية استخدام هذه الوسائل لتحقيق اجنداتها . مثلا تسعى قوى رأس المال ممثلة بشركاتهاالعملاقة والعابرة للقارات توسيع سيطرتها الاقتصادية لزيادة ارباحها عبر استخدام تلك الوسائل . كما تسعى بعض القوى السياسية عبر استخدام تلك الوسائل الى اجراء عملية غسل دماغ جماعي وغرز مفاهيمها وجذب مريدين ( كانت داعش مثلا والقوى الارهابية الاخرى تبث فيديوهات عبر مختلف وسائل التواصل بهدف الترويج لفكرها ، تجنيد انصار وبث الرعب والخوف في اوساط الناس العاديين ولنشر مفاهيم العنف، الكراهية والتجييش الديني /الطائفي او الاثني ).وفرت وسائل التواصل للجميع مساحة من حرية التعبير عما يريد وهنا الطامة صار بعض الجهلة ينشر رايه في الادب والفضاء والطب والسياسة والاقتصاد والحب والسينما وووووووو وذلك عبر السرقة والقص والقطع والادعاء انها من ابداعاته.
أما الاخطر من ذلك كله باعتقادنا هو ان من يملك مفاتيح تلك الوسائل يسعى وباشكال مختلفة الى الترويج للمعلومات التي يريد ايصالها لاكبر عدد ممكن من الناس بكبسة زر ، بغض النظر عن مضارها .
لا يفوتنا الاشارة الى جوانب التاثير السلبي الكبير لاستخدام هذه الوسائل على الاطفال واليافعين الذين يتابعون عبرها افلام او لعب العنف، الرعب، الكراهية والقتل والدماء او محاولات جذب المراهقات لممارسة الدعارة اضافة لترويج وبيع المخدرات والسلاح .هنا المسؤلية الاساسية تقع على عاتق الاهالي في مراقبة اولادهم لكيفية استخدام وسائل التواصل ثم على المجتمع والمدرسة خصوصا. .
مالعمل؟
اعتقد ان المطلوب التركيز على استخدام الجوانب الايجابية لوسائل التواصل التي ذكرنا بعضها .والعمل على تنوير الناس بمختلف الاشكال للاستخدام العقلاني لتلك الوسائل وذلك عبر عدم اخذ كل ماينشر على انه صحيح والتأكد دوما مما ينشر ومصدره وغاياته ، فضح الاضاليل والتشويه الذي تحاول غرسه. اخيرا نشر سياسة التنوير والاحتكام للعقل وليس للغرائز او العواطف .
نعم من المستحيل والخطأ عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا العملية والمجتمعية اليوم …لايمكننا ذلك حتى لو اردنا …لكننا نسطيع الاشارة لجوانبها السلبية وتجنبها واستخدام مختلف الوسائل الممكنة لذلك عبر الاستفادة من تلك الوسائل نفسها . . . تلك هي مهمة التنويريين والعقلاء اينما كانوا ، مهمة الدول والافراد .مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. هكذا تعلمنا دروس التاريخ البعيد والقريب .