وزير المالية يصارح الرأي العام ويكشف الفضائح المالية للدولة
في مصارحة غير مسبوقة لمسؤول لبناني عن الشؤون المالية ،كشف وزير المال علي حسن خليل الليلة للرأي العام الفضائح المالية المزمنة في الدولة اللبنانية ،لا سيما في مجال بعض الرواتب والمخصصات التي يتلقاها بعض الموظفين في السلكين المدني والعسكري ،مؤكدا أن التخفيضات لن تشمل ذوي الدخل المحدود والمتوسط.
وفي مقابلة مطولة مع برنامج "صار الوقت" من تلفزيون "أم تي في" ،قدم خليل معلومات وأرقام صادمة في مجال الهدر المالي ،يعتقد أنه هيأ من خلالها الرأي العام اللبناني لتقبل إجراءات قاسية في موازنة الدولة للعام 2019 ،والتي ستوضع على مشرحة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل على الأرجح.
وشدد خليل على أن "الموازنة أنجزت بشكل مع كل تعديلاتها وسيناريوهاتها التي قد تلحظ كل الأفكار التي من الممكن مناقشتها"، مؤكدا "أنني اتصلت مساء اليوم برئيس الحكومة سعد الحريري وتمنيت عليه عقد جلسة لمجلس الوزراء قبل الأعياد الأسبوع المقبل إذا سمح رئيس الجمهورية ميشال عون من أجل تقديم الموازنة بشكل رسمي ومناقشتها الأسبوع المقبل".
وأوضح "أنني قمت بموازنتي بشكل واضح وكل الافكار واضحة ومنسجمة"، مشيراً إلى "أنني منفتح على اي قرار او تعديل يطرأ في موضوع الموازنة ولكن كما قدّمتها اعتقد بانها شاملة ووافية".
وأكد أنه "حتى القاعدة الاثني عشرية لا يتم احترامها والصرف على اساسها اليوم"، معتبراً أن "الموازنة ليست فقط أرقام للنفقات والواردات بل هي تعكس سياسية الدولة، وللأسف فإن موازناتنا التي أقرت لم يكن فيها روح حقيقية تعكس ما تريده الدولة، ونحن كدولة هويتنا الإقتصادية ضائعة وكل المسؤولين يعبرون بطريقتهم عن رؤيتهم للإقتصاد، لذلك فإننا نحاول من خلال هذه الموازنة إعادة رسم هذه المسألة".
وشدد خليل على "أنني حريص على أن لا يمس التوازن الإجتماعي من خلال هذه الموازنة"، مشيراً إلى "أنني أصر على القول أن هناك الكثير من الموازنات لم تكن تعكس الإجراءات الحقيقية وإذا عدنا إلى مراجعة قطوعات الحساب يتبين أننا بحاجة إلى تصحيح القطوعات من سنة 1998 حتى عام 2003 رغم إقرارها في مجلس النواب".
ورأى أن "هذه الموازنة التي أقدمها يجب أن تكون شفافة"، لافتاً إلى "أنني لست مع تحرير صرف الليرة ولا يجب إجتزاء الأمر ورمي المسؤولية على غيرنا ،وخلال الفترة الماضية كان هناك خلط بين السياسات المالية والإقتصادية ويجب إعادة تصويب وجهة الدولة فيما يتعلق بسياستها".
وأوضح أنه "يجب تخفيف الكلفة على الدولة ونسعى لتحقيق ذلك من خلال الموازنة المطروحة اليوم"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن التعديل في الموازنة من دون الرجوع إلى خدمة الدين والمعاشات والكهرباء والنفاقات المختلفة".
وشدد على "أننا بدأنا بالإجراءات التصحيحية لموضوع الرواتب في الموازنة ولا يصح أن لا ندخل إلى المعاشات ونقرأها بشكل جيد"، مؤكداً "أنني ضد المسّ بالنفقات الاستثمارية في الموازنة المطروحة لانها تضخ اموالاً للاستثمار والتنمية في البلد".
ولفت إلى أن "35 بالمئة من الموازنة معاشات ورواتب ومخصصات وتقاعد، و35 بالمئة خدمة دين عام، 11 بالمئة كهرباء، وكل الانفاق الباقي الاستثماري وتسيير عجلة الدولة 19 بالمئة"، موضحاً أن "هناك معاشات لأشخاص في لبنان أعلى من راتب رئيس الجمهورية ،وهذا لا يصح وان لم نقم بالتصحيح بالسابق، يجب ان نقوم به اليوم".
ورأى أنه "لا يجوز ان يكون لدينا معاشات لموظفين في الدولة اكثر مما يتقاضاه رئيس الجمهورية"، مشدداً على أن "معظم المؤسسات العامة في لبنان تعاني من فائض في المعاشات والتوظيف".
ولفت إلى "َضرورة وضع سقف للمعاشات لأن هناك موظفين يقبضون معاشات مقبولة، لكن هناك البعض يستفيدون من غرامات تتجاوز في الشهر بين 18 و 25 مليون ليرة سواء في الجمارك أو مؤسسات أخرى، ويجب وضع سقف لبدلات الغرامات والتعويضات"، مشيراً إلى أن "موظفي "سكك الحديد " سيتم العمل على توزيعهم على دوائر الدولة اللبنانية ان لم يكن لديهم عملاً يقومون به".
وأكد خليل أنه "من حق اللبناني ان يحصل على اموال ورواتب من يتقاضون اموالاً ومعاشات فائضة، ولا سقف على احد في هذا الموضوع"، لافتاً إلى أن "بعض موظفي الفئة الاولى اعضاء في 9 لجان، وهناك من يأخذ بلجنة واحدة اذا حضر جلسات أكثر من معاشه، وبعض موظفي الفئة الاولى يصل معاشهم الى حدود الـ 50 مليون ليرة، يجب ان يتوقف هذا الموضوع".
وشدد على أن "كل من يستفيد من المال العام يجب ان يخضع لوزارة المالية، ولن يكون احد في جزيرة بعد اليوم، الكل تحت القانون"، معلناً أن "هناك من يقبضون أكثر من معاش في الدولة وهناك بعض النواب يقبضون معاشات تقاعد ومعاشات مجلس النواب، وهم لا يرتكبون خطأ لكن يجب تغيير هذا القانون لأنه غير منطقي".
ولفت إلى أن "رسم تمويل السدود على فاتورة مؤسسة المياه هو أمر غير قانوني ،وهناك مؤسسة أخرى وضعت رسما بموضوع الصرف الصحي غير قانوني، وعلينا تصويب الممارسات حتى تصب في خدمة القانون"، مؤكداً أن "هناك مؤسسات لا تتبع لوزارة المال ولا نعرف لماذا".
وشدد على أنه "في مشروع الموازنة المقدم لا يوجد مس بسلسلة الرتب والرواتب، وهذه المسألة طرحت من قبل عدة قوى والذي طرح هو فكرة لم يعط أحد رأي فيها ،وتقتضي بتجميد جزء من الرواتب لثلاث سنوات على ان تستعاض بفائدة مئوية بعد 3 سنوات"، مشيراً إلى "أنني مقتنع والجهة السياسية التي أمثلها أن لا يمس أي إجراء حتى لو تم الإتفاق عليه بذوي الدخل المحدود والمتوسط ،أما الباقي فقد يتم تجميد جزء من رواتبهم لمدة ثلاث سنوات في حال تم الإتفاق على ذلك، وكل هذه الطروحات هي من خارج الموازنة المقدمة".
واعتبر خليل أن "العسكر جزء من البلد وهم من الضمانات للبلد، ولا تحاولوا وضع الحواجز بيننا وبين العسكر، وفي ما يتعلق بالخدمات فإن ما يلحق كل الموظفين يلحق العسكر وما طرح هو التدبير رقم 3 وأنا من دعاة المحافظة عليه".
وأعطى خليل مثالا أن العميد في الاسلاك العسكرية الذي يمضي أربعين سنة في الخدمة يتقاضى تعويض نهاية خدمة 120 شهرا بموجب التدبير رقم 3 المختص بحالات الحرب ،لكنه يطبق على كل العسكريين أينما كانوا وهذا أمر لا يجوز.
وقال وزير المال : كنت أفضل متابعة العمل البرلماني ،وأعتبر أنني أتحمل مسؤولية بتكليف من حركتي السياسية من رئيس مجلس النواب نبيه بري في ظل ظرف استثنائي يعيشه البلد، ومهمتنا هي إحداث الفرق"، مشيراً إلى أن "كل مهمتنا هي عدم المرور على الوزارة بشكل تقليدي ومن أجل ذلك أعتبر نفسي جزء من هذه المسؤولية الوطنية".
ولفت إلى أن "ثقة بري تمدني بعزيمة كبيرة خاصة خلال التجربة التي مرت بممارسة العمل الحكومة وبري لم يتدخل معي بأي إجراء في الوزارة"، موضحاً "أنني قدمت موازنة العام 2019 في وقتها الدستوري كما قدمت موازنات السنوات الأربع السابقة ،ولكن لظروف سياسية منها تبدل المعطيات الإقتصادية ما استوجب إعادة النظر بأرقامها وقد استدعى ذلك إجراء مشاورات من أجل إجراء إصلاح وتعديل كل تفاصيل الموازنة خاصة في المواد القانونية ويجب تصحيح بعض القواعد الخاطئة المعتمدة".