ورقة براك: لبنان بين خطر نزع السلاح والانفجار الداخلي (زينب اسماعيل)

زينب اسماعيل – الحوارنيوز
في لحظة سياسية شديدة الحساسية، عقدت الحكومة اللبنانية جلستها لمناقشة ما بات يُعرف بـ”ورقة براك” – وثيقة تتناول مستقبل سلاح المقاومة في لبنان، وتُطرح وكأنها خريطة طريق دولية لمستقبل الأمن الوطني. وبينما حاول وزراء المقاومة تأجيل النقاش، أصرّ الفريق الآخر داخل الحكومة على حسم الموضوع واتخاذ قرار نهائي، كأن القرار لا يحتمل التأجيل، وكأن الاستقرار في البلد مؤجل إلى حين.
لكن ما يثير الريبة – وربما الاستهجان – هو أصل هذه الورقة.
كيف لدولة تحاول تثبيت سيادتها أن تناقش إسقاطات مبعوث سياسي أمريكي هدّد بضمّ لبنان إلى دولة أخرى؟
كيف لحكومة وطنية أن تتبنى ورقة تُعبّر، شكلاً ومضمونًا، عن رؤية الحليف الأكبر للعدو الإسرائيلي، أي الولايات المتحدة الأميركية؟
المفارقة المؤلمة أن هذه الورقة لم تولد من داخل المؤسسات اللبنانية، ولم تأتِ بعد حوار وطني جامع، بل ظهرت من خارج السياق، وسُرّبت إلى دوائر القرار وكأنها أمر واقع.
وهنا، لا بد من طرح سؤال موجه إلى وزراء المقاومة:
لماذا لم يتم رفض الورقة منذ البداية؟
كيف وصلت إلى طاولة النقاش من الأساس؟ ألم تكن هناك مفاوضات وأخذ ورد ونقاشات ساهمت في تكريس هذه الورقة كبند رسمي في الجلسة الحكومية؟
اللوم متبادل. والتقصير مشترك. لكن الكارثة تلوح في الأفق.
فقد جاء القرار الرسمي بنزع سلاح المقاومة، ليفجّر الشارع.
نزلت بيئة المقاومة إلى الطرقات، في تظاهرات ومسيرات، وحرق الإطارات، وارتفعت الهتافات، وتقدمت الجموع الغاضبة. في المقابل، خرج بعض مؤيدي القرار إلى الشوارع يوزّعون الحلوى فرحًا بما يرونه “انتصارًا للدولة”.
أما الجيش اللبناني، فوجد نفسه في موقع صعب، بين الشارع الغاضب ومطلب “القرار السياسي”.
لكن هل فكّر أحد بمصير الجيش نفسه؟
أليس في صفوفه آلاف الجنود من بيئة المقاومة؟
أليس بينهم من فقد أبًا أو أخًا أو صديقًا في الحروب مع إسرائيل؟
هل يُطلب منهم الآن الوقوف في وجه ناسهم؟
وهل ستتحمل المؤسسة العسكرية هذا الانقسام العميق دون أن تتفكك من الداخل؟
في هذا المشهد المعقد، تُطرح أسئلة خطيرة لا يمكن تجاهلها:
هل نحن أمام اتفاق مبطن بين أصحاب القرار لدفع البلاد نحو انفجار داخلي مدروس؟
هل يُراد للبنانيين أن يُستهلكوا في دمائهم، فيما توزَّع الحصص لاحقًا على الطاولة الإقليمية؟
هل فعلاً سلاح المقاومة هو سبب العدوان الإسرائيلي، أم أنه ما تبقى من قدرة ردع في وجه مشروع التوسع والهيمنة؟
في زمن غياب الثقة، وسقوط المبادرات الوطنية، تبدو “ورقة براك” وكأنها خطوة على طريق إعادة تشكيل لبنان، ولكن بثمن باهظ: تفكك الدولة، واندلاع حرب داخلية، وانقسام لا رجعة فيه.
إنّ أي حل لا يخرج من الإرادة الوطنية الجامعة، لا يمكن أن يُكتب له النجاح.
أي قرار يُفرض بالقوة، لن ينتج سوى عنف مضاد.
فهل يُدرك أصحاب القرار أن اللعب على حافة الهاوية لن يحرق خصومهم فقط، بل سيحرق الجميع؟
لبنان لا يحتاج إلى إملاءات خارجية، بل إلى إرادة وطنية صادقة تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
فلتُسحب ورقة براك، ولتُكتب ورقة لبنان… لا ورقة صهيونية موقعة بإمضاء أميركي.


