رأي

“وحدة المصير والمسار” واقع وليس شعارا(حسن عماشا)

 

كتب حسن عماشا – الحوار نيوز

 

ليس من المبالغة بشيء اذا قلنا ان سقوط “المعسكر الاشتراكي” وانهيار “الاتحاد السوفياتي” في نهاية “الحرب الباردة” عام ١٩٨٩ شكّل تحولا جذريا في مسار الصراع العالمي من فوق، اي من أعلى راس الدول العظمى.

 إن التحول المعاكس للمسار بدأ من تحت وتعاظم بشكل مضطرد منذ فشل “الثورة المضادة” في إيران وافلاس الحرب العراقية على إيران والعجزعن كبح جماح تطورها واستقلالها بما شكل نموذجا محفزا للأمم الخاضعة للهيمنة الاميركية – الغربية.

واذا كانت الأمم الكبيرة وقفت تترقب صيرورة التمدد الاخطبوطي الأميركي – الغربي في العالم، وتتجنب مواجهته كثور هائج ،فإن الأمم الأصغر والتي لا تخشى ما تخسره بعد قرون من الاستعمار والاستغلال أبت ان تخضع وتستسلم للموجة الجديدة والتي تتجاوز السيطرة والنهب للموارد، إلى تفكيك النسيج الحضاري الاجتماعي والقيمي، فضلا عن إعادة صياغة الخرائط السياسية وتفتيت الكيانات بغية تكثيف عمليات النهب والاستغلال.

هذه الصيرورة التي اتسمت بالحروب المتنقلة في كل اصقاع الارض واعتمدت على أدوات تقوم بهذه الحروب بالوكالة لتأتي الولايات المتحدة بشكل مباشر او عبر حلفائها (ادواتها في العالم)، لتقدم نفسها بدور المنقذ وتعيد توزيع الأدوار مستغلة نفوذها العالمي عبر ميزان القوى المائل لمصلحتها في “مجلس الأمن” و”الأمم المتحدة”،وذلك لاكتساب الشرعية وتجاوزها اذا ما دعت الضرورة كما حصل في غزو العراق عام ٢٠٠٣.

الا ان صمود أيران ودعمها لقوى المقاومة والتحرر في العالم والذي بدأ اسلاميا وتوسع ليشمل كل القوى الرافضة للهيمنة الأميركية والغربية، وخصوصا في اميركا اللاتينية، ساهم في حل النزاعات بين الأمم التي تجمعها مصالح مشتركة في التصدي للهيمنة أبرزها النزاع الروسي – الشيشاني، والباكستاني – الافغاني.

ومن هنا بدأت تتشكل ارهاصات طور جديد في حركة الصراع أبرز سماته ان قوى المقاومة الجديدة تختلف في طبيعتها عن قوى التحرر السابقة . فهي متحررة من الأدوات المفهومية التي كانت دائما تشرع الأبواب للاختراقات الفكرية والسياسية وأكثر التصاقا بهويتها الحضارية التاريخية، واستنهضت كل المحفزات والقيم من موروثها الثقافي للتضحية والفداء، انتجت رؤاها الاستراتيجية من خلال الإحاطة بحركة التاريخ من دون الوقوع في فخ الوعي الميكانيكي المرهون بحركته لقانون “الفعل ورد الفعل”، وقياس ميزان القوى بمقاييس جامدة تغلق الأبواب على الإبداع ما أدى إلى التسليم سابقا والخضوع والعجز، فكانت مقولة “الروح التي تقاتل” تشكل الأساس في بناء القوة. وهنا جعلت الأدوات المادية والامكانات تتعاظم بحيث أمست فعاليتها أعظم وابلغ اثرا، رغم التفاوت بمستوى تطورها قياسا بما يملكه العدو.

وهنا كانت الميزة التي اخترقت الوعي السائد لدى الدول والجيوش والقوى السياسية: الاعتقاد باستحالة هزيمة القاعدة الاستعمارية الاستيطانية والتي يقف خلفها العالم ولو بدرجات متفاوتة من الراعي لها والذي يسلحها بآخر ما تتوصل اليه من تطورات المصانع في آلة الحرب، ومنحها شرعية دولية في وجودها حتى كادت ان تكون الوحيدة في هذا العالم “دولة فوق اي قانون” بعد الولايات المتحدة.

شكل تحقيق الهزيمة لها وفرض الانسحاب عليها من أرض تحتلها بالقوة من دون قيد او شرط ، التحول التاريخي الذي نعيش مفاعيله المتنامية على مدى عقدين واكثر من الزمن. وكان قد سمي في حينه اي في العام ٢٠٠٠ “الانتصار الذي أنهى عصر الهزائم وفاتحة عصر الانتصارات”.

وما كان ليولد هذا العصر الجديد لولا التحول الجذري في بنية قوى التحرر والافلاس الكامل لقوى اسرت نفسها في غربة مفاهيمها وتقوقعها في كيانية قاتلة لروح التضحية والفداء بل حولتها الا أداة رديفة لقوى الهيمنة الاستعمار.

اليوم وفي مفاعيل عصر النهوض والانتصار نعيش في ظل تحولات عالمية ذات طابع تاريخي، تحد وتضعف من قدرات قوى الهيمنة والاستغلال العالمي والتي شكلت قوى المقاومة من دول وتشكيلات رافعة اساسية لهذا الواقع العالمي الجديد.

ان الأحداث الجارية في منطقتنا وفي مشرقنا ومغربنا العربي ومحيطنا الإسلامي، لا ترتبط ببعضها ارتباطًا موضوعيًا كما هي الأحداث العالمية، سواء ما يرتبط بالحرب في أوكرانيا او في اميركا اللاتينية او أفريقيا وحسب، انما هو ارتباط عضوي باستراتيجية واحدة تحددت عناوينها وتحملها كل قوى المقاومة بلا استثناء وتعبر عنها تكتيكيا تبعا لظروف كل طرف من أطراف المقاومة بحسب موقع كل منها في المواجهة والظروف الخاصة به.

وهي استراتيجية لا تقوم فقط على رفض المخططات والمشاريع الأميركية ،إنما هي قائمة على رفض الوجود الأميركي وتدخله في شؤون المنطقة وتجاه الكيان الاستعماري، لا تقوم على شروط التعايش معه بل على قاعدة ازالته بالكامل. وبعيدا عن الشعارات الغوغائية عن الوحدة هي قائمة على بناء مرتكزات وحدة أساسها التكامل الاقتصادي والانمائي.

تحققت بما لا يدعو إلى الشك الوحدة والتكامل على الصعيدين الأمني والعسكري وإدارة الصراع في كل ساحات المواجهة والتكتيكات المناسبة، ولو ان لم يظهر بعد بشكل كامل وحدة المواجهة السياسية والدبلوماسية كما هو حال الوجود الأميركي والكيان الاستعماري وبعض ادواته الطيعة. وما يقابل في المظهر من اختلافات دبلوماسية وسياسية بين أطراف القوى المقاومة تبررها الظروف الخاصة بكل ميدان، هو ما يعانيه الوجود الأميركي من تفكك في أدواته سواء في تماهيها مع مخططاته او لجهة النزاع بينها دولا وجماعات.

واذا كانت قوى المقاومة تهادن وتقيم التفاهات مع دول المنطقة لتبريد الصراعات، فهذا من الضروريات للتركيز في الجهود على التصدي الوجود الأميركي المباشر وتقوض الأمن والاستقرار في الكيان الصهيوني الذي يعزز الشعور بالمازق الوجودي له وتظهير ضعفه وعجزه وابطال دوره الوظيفي بالمنطقة، ولو بنصب خيمة عمادها القوة الرادعة في ساحة من الساحات، ودهس وطعن في قلبه، فضلا عن العبوات وعمليات إطلاق النار في داخله، أو في عملية تستهدف الوجود العسكري الأميركي في سووية والعراق.هي وحدة في مسار التحرر ووحدة المصير.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى