رأيسياسة

..واستراح “السيد” الذي ملأ الدنيا وشغل الناس!(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

 

يَصعُب الكلام عن سيد المقاومة في عُجالة مقالة ،وهو الذي ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى إثنين وثلاثين عاما ،مثلما يصعب استيعاب ان السيد قد غاب في عز الحاجة إليه.

أنا شخصيا (وربما كثيرون مثلي) لم أشعر بحجم الفراغ والخسارة وفداحتها وقسوتها، منذ وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصرعام 1970 ،وقد كنت فتى في الرابعة عشرة من العمر ،وقد كان تعلقنا بالزعيم الخالد فِطريا لا يحمل مضمونا سياسيا أو ثقافيا. لكن غياب السيد اليوم تتنوع وتتعدد فيه المضامين، وقد عشنا معه زمن القيامة لهذه الأمة النائمة،وشعرنا معه أن الهزيمة ليست قدرا،وقد أشعل في نفوسنا مقولة “لقد ولى زمن الهزائم”.

عرفت السيد نصر الله في بدايات عملي الصحفي في أوائل الثمانينات ، فالتقيته فتى في العشرينات من عمره، في الحوزة العلمية في بعلبك مع زميلين عزيزين ،وقد تسنى لي بعد ذلك أن ألتقيه مرات ومرات ،وكنت في كل مرة أزداد تعلقا بشخصيته ،إلى أن أهدى جيلنا نعمة التحرير عام 2000، فعدنا إلى قرانا ومسقط رؤوسنا، بعد 22 عاما من الغياب،مرفوعي الرأس موفوري الكرامة.

منذ سنوات حالت ظروف السيد دون لقائه ،وما زلت أذكر جيدا ذلك اليوم الذي التقينا فيه السيد عبر الشاشة في مؤتمر صحافي عقده ليعلن فيه عن صفقة تحرير الأسرى الذين كان بينهم الشهيد سمير القنطار. يومها طرحت عليه سؤالا هادفا ومعبّرا فقلت : “لقد أفرجت يا سيد عن جميع الأسرى لدى العدو ،ولم يعد في الأسر غيرك،فلماذا لم تفاوض على حريتك الشخصية” ؟ ..

رد السيد يومها على الفور: أنا لست أسيرا..أنا أكبر حر في هذا العالم!   

على مدى 32 عاما حمل السيد هموم الأمة ،لا سيما همّ لبنان وفلسطين. ومن أجل ذلك خاض منذ العام 1992 أشرس الحروب، وكان في كل مرة يخرج منها شامخ الرأس مرفوع الهامة،فيزداد احتلاله لقلوب الناس وأفئدتهم،لدرجة باتوا يشعرون بالثقة والطمأنينة والأمان ما دام السيد يقود هذه المقاومة.

لقد كان السيد ذلك القائد الذي أضاء دروب الأمة بروحه المتقدة وإرادته الصلبة، لا يخلّف وراءه إلا أثراً ناصعاً من العطاء والتضحية. السيد نصر الله لم يكن فقط قائداً، بل كان رمزا حيّا للتحدي والصمود في وجه كل المؤامرات، وجسّد في مسيرته صورة الإرادة التي لا تنكسر مهما كانت الظروف. وكان الأمل الذي ينبعث من قلب الظلام، والنور الذي يقود أمة نحو الحرية والعزة  والكرامة.

 

 كان السيد روحا تتجلى في كل نبضات المقاومة، وكان الأيقونة التي نراها في عيون الأمهات الصابرات، وفي دموع الفرح بتحقيق الانتصار. صوته الذي طالما خاطب أرواحنا قبل عقولنا، لم ينقل لنا فقط كلمات، بل الرسالة المتجددة من الصبر والإيمان.  وكان الوهج الذي لا يخبو، والقوة التي تلامس قلوب محبيه بشعور عميق من الانتماء، والطمأنينة، بأن طريق الحق لا يمكن أن يضيع مهما طالت المسافات أو اشتدت التحديات.

لطالما بشّر ناسه بأن زمن الهزائم قد ولى،وكانوا يشدون عزيمتهم بوعده الصادق ،فهل نحن اليوم في غيابه بتنا أمام مشروع هزيمة؟

الجواب المنطقي أن هذا الأمر رهن صمود المقاومة بروح السيد الغائب ،ولا شيء غير ذلك ،لأن الرهان على المجتمع الدولي والعربي والإسلامي سقط بالضربة القاضية .

إستراح السيد بعدما حمل الهموم على مدى 32 عاما،ولا شك انه في مكان أفضل بكثير من أمكنتنا، ولعل الباري إختاره إلى جواره لتلك الراحة الأبدية ،وهو لم يكن يحلم أو يطمع بأن يموت على فراشه. حسبه أن رحل شهيدا على طريق القدس التي كان يحلم بالصلاة في محراب أقصاها،لكن القدر لم يتح له تحقيق هذه الأمنية ،فسبحان من قهر عباده بالموت ،وسبحان من لا يفوته فوت .

  “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”(صدق الله العظيم) 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى