خواطر متقاطعة على نار الحرائق السورية… في الطبيعة والروح!(طلال الإمام)

طلال الامام – استوكهلم خاص
أيقظت صور الحرائق التي تلتهم جزءا عزيزا وجميلاً من ساحل الوطن، شريطاً من الذكريات يمتد لاوائل سبعينات القرن الماضي عندما بدأت أتعرف عن قرب على الطبيعة الجميلة لتلك المناطق…
كانت البداية تخييم في الكفرون ومشتى الحلو ثم على ساحل طرطوس، قبل وجود منتجع الرمال الذهبية … اذكر جبل السيدة ، مقهى الخوري والدلبة ، المخاضة . كنت في تلك الجولات برفقة غسان عبدالهادي ،ومنصور الأتاسي لارواحهم السلام … نستيقظ باكرا لنشتري من فرن الكفرون خبزا طازجاً …. سكان تلك المناطق اخذوا كرمهم وطيبتهم من طبيعة المنطقة .
اذكر انني في احدى المرات استيقظت باكرا جدا وبدأت افتش عن فنجان قهوة ، لكن المقاهي مغلقة كونها تفتح لوقت متأخر من الليل .. رايت قرب الجسر مقهى مغلقا وصاحبه يجهز الحمص والفول والزيتون والجبنة لمن يرغب تناول الفطور … سألته هل يمكن ان اشرب فنجان قهوة … نظر إلي ملياً وقال إن المقهى مغلق ولكن … أخذني من يدي للمطبخ ودلني على مكان القهوة والسكر “مضيفاً أنا مشغول اصنع قهوتك بنفسك .أنا اعرف ماذا يعني فنجان القهوة الصباحي”..وأشعل مسجلة لأغاني فيروز.
استمتعت جدا بتلك الصبحية وانا احتسي القهوة في حضن طبيعة ولا أجمل … عندما حاولت دفع ثمن القهوة رفض وقال هذه ضيافة مني لعشاق فيروز وقهوتها الصباحية .
زرنا جميع الكفارين ( رفقة ، سعادة ) اضافة للمشتى وعيون الوادي … في كل مكان لم نصادف سوى وجوهاً طيبة ومرحبة .نعود لخيامنا بعد منتصف الليل بكل أمان ، لم يسألنا احد ممن واجهناهم عن انتمائنا الديني او الطائفي .
اذكر انه في اوائل سبعينيات القرن الماضي سافرت إلى شاطىء رأس البسيط يوم لم تكن موجودة بعد شاليهات العمال … نصبنا خيمتنا على الشاطىء مباشرة قرب دكان من القش بسيط للصيادين والذي اصبح صاحبه صديقنا . كنا اربعة في تلك الرحلة : غسان عبد الهادي، عبد القادر عزوز ، منصور اتاسي( لارواحهم السلام( والداعي…
زرنا وقتها العديد من البلدات والقرى القريبة من رأس البسيط (البدروسية، كسب وغيرها) . بعد عودتي من الدراسة كنت اقضي كل صيفية تقريبا في شاليهات العمال برأس البسيط برفقة الصديق والرفيق الأبدي غانم بيطار وأسرته ، ومرة رافقنا صلاح البدوية ، معتصم دالاتي وموفق دراق السباعي .
عندما ذهبت للدراسة في موسكو أواسط سبعينيات القرن الماضي تعرفت هناك على سوريون من شمال الوطن لجنوبه ومن شرقه لغربه . تلك الفترة تحتاج لوقفة خاصة .
اتيحت لي خلال سنوات الدراسة التعرف على مجموعة من سكان الساحل السوري ( من الصفصافة، جبلة ، يحمور ، الحداديات ، الكفرون ، اللاذقية ، مشتى الحلو ، عيون الوادي ، صافيتا ، بدادا وعين دابش ) وغيرها الكثير الكثير.
بعد عودتي من الدراسة استمرت العلاقة مع ابناء تلك المناطق كنت أزورهم باستمرار… قضيت في ربوع مدنهم وقراهم لحظات لاتنسى ، شعب مضياف ، طيب ، كريم ، بيوتهم كما قلوبهم مفتوحة للجميع لم يسألني احد مرة عن ديني او طائفتي … سوريون ونقطة على السطر …
تختزن مخيلتي ذكريات ولا اجمل عن طبيعة وناس تلك المناطق . لذلك لاتتصوروا مدى الحزن الذي انتابني وانا ارى صور الحرائق الكارثية التي تلتهم، ليس فقط تلك الطبيعة الخلابة، وانما ماتختزنه ذاكرتنا عن شعبها السوري الأصيل.

كانت النيران تلتهم ايضا بعضا من قلوبنا ،من ذكرياتنا. شكرا لكل من يساهم في مكافحة الحرائق و اثار الكارثة … مع امل ان تعود تلك المناطق اجمل بفضل جهود المخلصين من كل الجغرافيا السورية .
مؤلم جدا جدا منظر الحرائق وهي تلتهم غابات ، بيوت ،مناطق زراعية وسياحية … كونها تلتهم كل ما هو جميل.



