رأي

هموم العرب أكبر من إهتمامهم بلبنان

   كان واضحا أن هموم لبنان لم تلق الاهتمام الكافي في القمة العربية الثلاثين التي انعقدت في تونس الأحد الماضي ،على الرغم من الخطاب القوي لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون.
   بالطبع ليس في الأمر ما يدعو الى الاستغراب.الغريب أن يعبأ العرب في هذه المرحلة بهموم لبنان ،أو حتى بهموم بعضهم البعض .ففي كل دولة من دولهم هموم أثقلت كاهل حكامها وشعبها، وعطلت تفكيرها بهموم الآخرين،فضلا عن الخلافات المستعصية شرقا وغربا بين الحكام العرب.وفي هذا السياق يحار المرء من أين يبدأ:
• في المقلب الإفريقي الغربي للأمة ،من مصر الى السودان والمغرب وموريتانيا مرورا بليبيا وتونس والجزائر ،لكل دولة مشاكلها وأزماتها ،سياسية كانت أم اقتصادية ومعيشية .
– الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرر في اللحظة الأخيرة المشاركة في القمة بعد تدخل العاهل السعودي ،وهوغالب نفسه قبل يوم واحد من القمة ليرفع أجور الموظفين خمسين دولارا ،فيما اعتبر انجازا كبيرا لعهده في "المحروسة" التي تعاني اقتصادا يصعب الوصف فيه.
– في ليبيا ثلاث دول متصارعة ،وكل منها محسوب على فريق عربي أو دولي ،لدرجة كان السؤال المحير :من يمثل ليبيا في القمة؟
– على طرف ليبيا الغربي ،تقع تونس التي باتت بعد الثورة تشبه لبنان بكل ما فيه من صراعات رسمية وحزبية ومن ضيق معيشي وغلاء وخدمات متهاوية ،فضلا عن حريات بلا حدود.

 

– الجزائر أغنى البلاد العربية تعاني أزمة رئاسية تهدد حياتها وأمنها في ظل رئيس مقعد وتظاهرات صاخبة تطالب بتنحيه عن السلطة (هو قرر بعد القمة الاستجابة لمطالب الناس).
– المملكة المغربية في واد آخر ،كانت يوم القمة منشغلة باستقبال بابا الفاتيكان،فلم يشارك عاهلها في القمة ،فضلا عن همومها ومشاكلها المزمنة مع موريتانيا بشأن الصحراء الغربية.
– السودان حدّث ولا حرج عن مشاكله السياسية والاقتصادية والمعيشية ،في ظل نظام أبدي لم تنفع الاحتجاجات والتظاهرات في زحزحته عن مواقفه.
– أما جيبوتي والصومال وجزر القمر ،فهي عمليا خارج الحسابات العربية.زعماؤها بالكاد يتحدثون اللغة العربية،فأين منهم هموم لبنان وشعبه؟
• في المقلب الآسيوي المشرقي للأمة لا يبدو الأمر أفضل حالا:

– المملكة العربية السعودية التي كانت "مملكة الخير والعطاء" للأمة جمعاء ،لم تعد كذلك ،أو هي على الأقل أمسكت يدها عن البِر المفتوح.فحربها مع اليمن وسوريا وصراعها المفتوح مع قطر وايران وتركيا،وابتزاز الأميركيين لثرواتها ،والصراع الداخلي الأخير مع كبار قومها وقضية الخاشقجي ،كل ذلك لجم اهتمامها بالأمة ومشاكلها وأقعدها عن العطاء المفتوح،وكان من الطبيعي أن ينال الشقيق الأصغر لبنان نصيبه من هذه اللامبالاة،فكيف اذا أضفنا "عقدة حزب الله" الى كل هذه الهموم؟
– الدول الخليجية من الامارات وقطر والكويت والبحرين وعُمان ،لديها همومها ومشاكلها المختلفة ،وبعضها منشغل بالوساطات ومحاولات اصلاح ذات البين بين العرب،وبعضها الآخر غارق في حرب اليمن أو هو على خلاف مع جيرانه .
– العراق لم يستعد وعيه الطبيعي بعد ،منذ الحروب الضروس التي خاضها ،وآخرها "حرب داعش الغبراء" التي كلفته أوزارا كبيرة في كل المجالات البشرية والاقتصادية والسياسية ،فضلا عن الصراعات الداخلية بين أحزابه لدرجة بات يستنجد بالرئيس نبيه بري للمساهمة في إصلاح ذات البين بين مكوناته.
– الأردن مرتبك وقلق على مستقبله في ظل ما يتسرب عن "صفقة القرن" الأميركية المنشأ،والتي تحاكي الخيار الأردني السيء الذكر بالنسبة للقضية الفلسطينية ،فضلا عن مشاكله الداخلية سياسيا واقتصاديا.
– سوريا المستبعدة عن الجامعة العربية وقممها ما زالت تلملم جراحها ،ولعلها تحمد الله وتشكره أن غيابها عن القمة أفضل وأقل وزرا ومسؤولية لها في هذا الزمن العربي الصعب.
في ظل هذا الواقع العربي يذهب لبنان الى القمة مستنجدا بأشقائه..وهو يعرف سلفا أن في ذلك الكثير من الترف السياسي،على قاعدة "يا طالب الدبس…"، ولكنه يفضل رفع الصوت تحت شعار "اللهم إني بلغت ".وليس غريبا والحالة هذه أن يميل لبنان عن أشقائه ويلجأ الى أوروبا وأميركا وروسيا ،لعله يحظى ببعض الفُتات الذي يمنّ به الغرب والشرق على الدول النامية.
   ولكن في الخلاصة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".المطلوب أن نتغير نحن أولا في لبنان ،وبعدها لكل حادث حديث!!!
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى