هل نحن امام استشارات يوم الاثنين ؟
لا شك أن المرحلة القادمة في حياة اللبنانيين هي موعد الاستشارات النيابية التي تحدد يوم الاثنين. والهواجس المعلنة بشكل صارخ هي: هل ستنجم عن تكليف سمير الخطيب رئيساً للحكومة العتيدة، أم أن كتلة المستقبل ستسمي الرئيس الحريري بغض النظر عن ما قيل في الأيام والساعات الأخيرة لتسير على هديها الكتل الأخرى، أم أن هناك اسماً جديداً سيُعلن فجأة وفي الربع الساعة الأخير، خصوصاً وأننا في بلد طالما تحدد مصيره في السياسة في اللحظات الأخيرة. وهل إذا وقع الخيار على السيد الخطيب سينجح في مهمته وسيرضي غالبية الأطراف المؤثرة لترى الحكومة النور. وقد يكون أكبر الاستفهامات: هل ستجري هذه الاستشارات في موعدها بعد أن بدأت الأصداء تنبئ عن تصعيد نوعي للحراك يقطع الطرقات عن النواب لمنعهم من الوصول إلى قصر بعبدا، وإعلان الأجهزة الأمنية المسؤولة عن تصديها بقوة لمنع إقفال الطرقات.
لا بد من القول إن الحكومة المزمع تشكيلها لا ترضي الغالبية في لبنان، حيث إن الأوضاع الاستثنائية التي نعيشها تتطلب حالة طوارئ في نوعية الحكومة ونوعية الرجالات، ويبدو أن ذلك عُرْف في لبنان حيث إننا في العمليات السياسية المختلفة لا نختار الأنسب والأكفأ والأنزه، وضع ما شئت من أفعال التفضيل الإيجابية، بل نراعي الخصوصيات الطائفية والمذهبية المقيتة التي كانت من أبرز العوامل التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. ومع رأينا السلبي في كل ما سلف، فإننا نؤيد العملية السياسية التي تجري يوم الاثنين حيث لا يمكننا في هذه المرحلة الخطيرة توقع الأمثل والأفضل في بلد مفعم بالتناقضات والخصوصيات التي لم تلتق ولن تلتقي في المدى المنظور على توجه سياسي موحد وخطة عملانية واضحة، وما نراه في المشهد اليومي يرسم بشكل واضح مدى التناقضات التي نعيشها، سواءً في الساحات الانتفاضية وفي مواقف أصحاب القرار.
والأهم من كل ذلك، ما هو البديل عن حكومة الخطيب أو الحريري أو غيرهما؟ هل تحرك الانتفاضة وشل البلد سينتج صورة سياسية أفضل؟ هل البقاء في الفراغ هو أمر ممكن تحمله خصوصاً وأن الوضع أصبح كارثياً إلى أبعد الحدود، وقد شهدنا مؤشراته في كثير من المواقع الاقتصادية والمالية والمعيشية؟ ولا بد من القول إن الحراك الذي نزل إلى الشارع ونجح في تحريك المياه السياسية الراكدة، هو قادر في أي وقت على النزول إلى الشارع متى ما رأى في ممارسة الحكومة الجديدة قصوراً أو تقصيراً أو فساداً، وهذا ما سيأخذه المعنيون في نظر الاعتبار.
لم نعد نملك ترف الوقت في الانتظار والتسويف والتأجيل، وعلى المنتفضين أن يعوا أن الضرر واقع على المواطنين وحدهم، بينما يعيش الزعماء في قصورهم العاجية بعيدين عن كل أشكال المتاعب والمصاعب والمعاناة. إن النظام الطائفي البائس هو أحد نكباتنا، ولقد ثبّت، من خلال العائلات والزعامات على مدى عقود طويلة جذوره الراسخة التي لا يمكن نزعها بالسهولة التي يتخيلها البعض، لذلك يجب معالجة الأولويات التي عنوانها الاقتصاد في الدرجة الأولى، لتأتي بعدها الخطوات المقبلة التي تتعلق بالسياسة العامة والخاصة.
وأخيراً فإن النفق البارز في وسط هذه الظلمات الدامسة يتجلى في حكومة جديدة تولد يوم الاثنين، تؤسس لإصلاح الأوضاع الكارثية التي نعيشها، أما العمل لإفشال هذه الخطوة فسوف يقفل النفق مجدداً وسنتخبط جميعاً في ظلمات الفوضى والتعطيل والفراغ والأزمات المستعصية، بانتظار زمن آخر لا يمكن تحديده ومبادرة أخرى لا نعرف متى ستأتي وهل تحقق ما لم تحققه سابقاتها. وفي وسط كل ذلك طوبى للفقراء والمساكين.