هل من مصالح مشتركة بين إدارة أميركية عنصرية وحكومة تحديات في العراق؟
د .جواد الهنداوي* – بروكسل
وصفُ المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق بأنها "إستراتيجية" إنفاذا لرغبة الرئيس دونالد ترامب أو وزير خارجية حكومتهِ، هو أمر مبالغ فيه.
توصيفات تستهدف الرأي العام الأميركي والإعلام وإيهام الرأي العام بإنجاز ما، لتوظيفه في معركته الإنتخابية.
درجَ الرئيس ترامب على تعظيم ما يُقدِمْ عليه، كما هو الحال عند إطلاقه مصطلح " صفقة القرن "، على جهودهِ و جهود إدارته واللوبي الصهيوني واسرائيل، الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية ، وتوسيع وهيمنة اسرائيل.
كي يكون الاتفاق استراتيجيا ومنتجاً بين دولة وأخرى، في المضمون والأهداف والنتائج، وليس فقط في التسميّة، ينبغي أن تجمعهما مشتركات أو قواسم مشتركة استراتيجية سياسية و /أو فكرية أو إقتصادية أو جغرافية أو أمنية إلخ …
فهل يا ترى بين أميركا والعراق مشتركات جغرافية أو سياسية أو إقتصادية أو أمنية أو ثقافية؟
المشترك الجغرافي بين العراق وأميركا ذو طابع سلبي وليس إيجابي ،ويقود الى " تباعد استراتيجي" و ليس الى إتفاق إستراتيجي، ويتمثل هذا المشترك الجغرافي في ظاهرتيّن: الأولى وجود قواعد أميركية في العراق، و قدْ طالبَ الشعب العراقي بتفكيكها ورحيل أفرادها و معداتها، والظاهرة الثانية هو وجود الكيان الاسرائيلي الصهيوني المغتصب، وهو في حالة حرب مع العراق. وسياسة أميركا تجاه العراق و تجاه المنطقة موزونة ومحكومة وفقاً لمصلحة هذا الكيان! فهل ينتظر العراق دعماً وتعاوناً استراتيجياً اميركياً يساهم في نهضة وتطوير العراق، وهل ترضى اسرائيل بذلك؟
سياسياً، تسعى أميركا الى تمرير صفقة القرن ، وتسعى الى توسيع مساحة إسرائيل بضم أراض من الضفة الغربية ومن غور الأردن، وتسعى الى أن يكون جزء من الأردن وغرب العراق وطناً بديلاً للفلسطينيين، الذين سيهجرّون من الضفة، و ستُمرر هذه المشاريع التوسعيّة الآن وحتى عام ٢٠٢٥، و أميركا هي الداعم الفكري والسياسي لهذا المشروع التوسعي لا سرائيل ، وأميركا هي المنسّق المالي و الامر في تمويل هذه المشاريع .هل هنالك تلاق سياسي بين ما تريده أميركا لاسرائيل في المنطقة وبين مصلحة العراق ؟
بالتأكيد، ليس لموضوع "اسرائيل" ايّ حضور في التفاوض الأميركي العراقي، ولكن الأهداف السياسية لأميركا في المنطقة وتجاه العراق ينبغي ان تسير في مصلحة اسرائيل ، والاّ ما هي المصلحة الأميركية الاستراتيجية في المنطقة؟
لم يعُدْ النفط هو المصلحة، وانّما مصلحة وهيمنة اسرائيل ولزومية ان تكون الإرادة السياسية الأميركية هي السائدة في المنطقة.
سياسياً يسعى العراق الى ترسيخ أمنه و استقراره، و أمن واستقرار العراق هو جزء من امن واستقرار المنطقة .
هل سياسة الإدارة الأميركية اليوم هي في صالح أمن واستقرار المنطقة أمْ سياسة التدخل و اثارة الاضطرابات والفتن في المنطقة و ابتزاز دولها وسرقة ثرواتها وتجفيف صناديقها السيادية ؟
إقتصادياً ، ما زال العراق، و رغم علاقاته الاستراتيجية مع أميركا، يعاني من مشاكل أساسية في الخدمات و الاستثمار و التنمية، ومرّد َ ذلك ليس فقط الفساد والبيروقراطية، و إنما ايضاً افتقار العراق و المنطقة الى الامن والاستقرار و فرض سياسة العقوبات على دول المنطقة (ايران ،لبنان ،سوريا ) ، وتهديد وابتزاز الدول الاخرى (السعودية ) ، و دعم فصائل الإرهاب والجماعات المسلحة في سوريا . لن نتوقعْ تطور استثماري للقطاع الخاص و للقطاع العام في العراق و البلد و المنطقة تحت رحمة التهديد والوعيد والعقوبات .
ستبدأ و ستمضي المفاوضات مع إدارة أميركية تتبنى أجندات صهيونية اسرائيلة تجاه المنطقة ، و تمارس التمييز والاضطهاد العنصري ضد ومواطنيها من أصول أفريقية، تُواجه تنديدا شعبيا واسعا من الأميركيين ، وتوصفْ بالعنصرية .
لا اجدُ في المفاوضات العراقية الأميركية القادمة جوانب استراتيجية، لن تكْ ابعد من صيغة مفاوضات ثنائية بين دولتيّن ،تنظّم انسحابا آمنا و سريعا للقوات الأميركية و القواعد الأميركية في العراق ، او ابقاء جزء من القوات الأميركية في العراق وتحت غطاء قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش .
ما يهّم اسرائيل هو بقاء قوات أميركية و بقاء قاعدة عين الأسد في العراق وفي المنطقة الغربية ، ولأسباب و لاهداف تتعلق بالمشاريع الاسرائيلية في المنطقة (في الضفة الغربية ،في الأردن ،في لبنان ، في سوريا ،في العراق ) .
لسنا ضّدَ هذه المفاوضات ، ولكن لا نُغري الرأي العام العراقي ونحمّل المفاوضات ابعادا اقتصادية و سياسية استراتيجية، والبلدان ( أميركا والعراق ) يفتقران الى استراتيجية في سياساتهما، او في تباعد في المتبنيات الاستراتيجية إنْ وجدت.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات – بروكسل