د. م. محمد رقيه*- الحوار نيوز
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن زلزال كبير سيضرب مدينة اسطنبول التركية. فما هي حقيقة الوضع الزلزالي للمنطقة ؟ وهل سيضرب المدينة زلزال قريب؟
تعتبر تركيا من أكثر البلدان تعرضا للزلازل لأنه ينشط فيها نطاقان أساسيان من الفوالق
– نطاق فوالق شرق الأناضول
– نطاق فوالق شمال الأناضول المارة بمحيط اسطنبول والتي تحصر الصفيحة الاناضولية وتجعلها تتحرك نحو الغرب بمعدل ٢.٥ سم في السنة، وواقعة ضمن ضغوط الصفيحة العربية والصفيحة الافريقية من الجنوب والصفيحة الأوراسية من الشمال.
ولو نظرنا الى تركيا من خلال الصور الفضائية نجدها مقطعة تقطيعا من كثرة الفوالق التي تضربها ،وخاصة تلك ذات الاتجاه الشمالي الشرقي والفوالق العرضية أو ذات الاتجاه الشمالي الغربي .
في دراسة لجامعة “نيشان تاشة” التركية بيّنت أن ٦١ بالمئة من الكوارث الطبيعية التي تضرب تركيا هي الزلازل .فبين أعوام ١٩٠٣ و٢٠٠٠ سجل ١٥٠ زلزال بعضها كان مدمرا بشدة من بينها:
– زلزال ارزينجان عام ١٩٣٩ ،وهو من أسوأ الزلازل التي ضربت تركيا في العصر الحديث، وقدرت شدته ٨ درجات بمقياس ريختر ، وخسارة عشرات آلاف الضحايا.
– زلزال إربا – توكات في ٢٠ ديسمبر عام ١٩٤٢ بقوة ٧ درجات
– زلزال لاديك- سامسون في ٢٦ تشرين ثاني ١٩٤٣ بقوة ٧،٦ درجة وأدى الى تدمير ٧٥ بالمئة من مباني المنطقة
– زلزالا فارتو – موش شرق البلاد عام ١٩٦٦.الاول حصل في آذار والثاني في آب وتجاوزت شدته ٧ درجات
– زلزال تشالديران- وان جنوب شرق تركيا في ٢٤ نوفمبر ١٩٧٦ بقوة ٧،٥ درجة ،وفقد الكثير من الضحايا
– زلزال أرضروم في تشرين الأول من عام ١٩٨٣ بشدة ٦،٩ درجة ،وسبب خسائر كبيرة في الأرواح
– زلزال جول جوك أو ازميت الشهير في ١٧ آب من عام ١٩٩٩ الذي حدث على طول الجهة الغربية لنطاق فوالق شمال الأناضول وبلغت قوته ٧،٥ درجة ،وتسبب بعشرات آلاف الضحايا وتشريد السكان.
– زلزال منطقة دوزجة شمال غربي البلاد على فالق الأناضول الشمالي بعد أقل من ثلاثة أشهر من زلزال ازميت في ١٢ تشرين الثاني من عام ١٩٩٩ ،وبلغت قوته ٧،٢ درجة على مقياس ريختر
– زلزال آذار عام ٢٠١٠ في شرق تركيا بقوة ٦ درجات ، ثم ضرب المنطقة زلزال ثاني بقوة ٥،٦ درجة بعد العديد من الهزات الارتدادية
– زلزال وان شرق تركيا في أكتوبر عام ٢٠١١بقوة ٧،٢ درجة وتسبب بخسائر كبيرة في الممتلكات والأرواح .
– وضربت تركيا في نهاية عام 2019 وخلال عام 2020 موجة زلازل متتابعة في مناطق مختلفة، لكنها تركزت بشكل عام في محيط بحر مرمرة.
– ففي سبتمبر (أيلول) 2019 ضرب زلزال بقوّة 5.8 درجة بحر مرمرة تلته أكثر من 100 هزة ارتدادية أشدها بقوة 4.1 درجة، وكان بحر مرمرة مركزاً لهذا الزلزال بعمق 6.99 كم.
– تبع ذلك زلزال آخر في يناير ( كانون الثاني ) بقوة 6,7 درجة منطقة الأزيغ
– وفي فبراير 2020، ضرب زلزال بقوة 5.7 درجات منطقة حدودية بين تركيا وإيران،
– وفي ٣٠ أكتوبر عام 2020، ضرب زلزال بقوة 7 درجات بحر إيجه، ما أسفر عن خسائر كبيرة في إزمير.
– وفي أواخر نوفمبر من عام ٢٠٢٢، ضرب زلزال بقوة 6,1 شمال غرب تركيا .
ثم جاء زلزال ٦ شباط في كهرمان مرعش بقوة ٧،٨ درجة بمقياس ريختر في عام ٢٠٢٣ وتبعه زلزال ٢٠ شباط في لواء اسكندرون.
وتعتبر إسطنبول من أكثر المدن التركية تعرضا للزلازل.ففي العصور الوسطى مابين ٥٥٤- ٨٦٩ للميلاد ضربت المدينة سلسلة من الزلازل أصابت أبنيتها وكنائسها بأضرار كبيرة بما فيه قبة أياصوفيا .
وفي عام ٨٦٩ تعرضت إسطنبول على مدى أربعين يوما لسلسلة هزات عنيفة ،وساد الاعتقاد لدى البيزنطيين ان الخطايا كانت سببا للزلازل
وفي عام ١٥٠٩ تعرضت إسطنبول لزلزال كبير بقدر ٧،٥درجة في ٢٢ آب تسبب بدمار كبير على امتداد بحر مرمرة شرقا وغربا ووصل تأثيره الى مصر واليونان
– زلزال عام ١٧٦٦ ويشبه زلزال عام ١٥٠٩ من حيث الشدة والتأثير ثم عادت هذه الزلازل في أعوام ١٧٦٨ ،١٧٦٩ ،١٧٧١ ، ١٧٩٠ ، ١٨٠٢ ، ١٨٠٤ ، ١٨٣٧، ١٨٤١ بدرجة أخف .
وفي ١٢ تموز من عام ١٨٩٤ ضرب المدينة زلزال بقوة ٧ درجات وتسبب في دمار العديد من منازل العاصمة واعتبر واحدا من أشد ٣٠ زلزال مدمر في تركيا.
ومن الملاحظ بأن هذه الزلازل تصيب المنطقة بشكل عشوائي غير منتظم بسبب كثرة الفوالق وحركاتها السنوية المختلفة،فيمكن ان يصيب المدينة زلزال كل عام او عامين كما حصل في فترات سابقة .
يقول الباحث التركي، باكير أتاكجان إنه من الخطأ التنبؤ بوقت حدوث الزلزال، لكن التوقع بمكانه من دون تحديد زمن حدوثه أمر علمي.
وقد اكد كل من العالم الجيولوجي جلال شنغور والأكاديمي ايراي أياشلي وكذلك مدير مركز الدراسات الاستراتيجية باسطنبول محمد كامل ديميريل، أن اسطنبول تقع الى الشمال قليلاً من فالق شمال الأناضول، وهو فالق زلزالي يقطع تركيا بشكل عرضي من شرقها إلى غربها، ويقسمها إلى كتلتين شمالية وجنوبية، ويعتبر هذا الفالق من أكثر الفوالق الزلزالية نشاطاً في العالم، لذا تكثرعليه التنبوءات والتحذيرات.
نشر العالم الجيولوجي ناجي غورور ، وهو عضو في مجلس الزلازل في بلدية إسطنبول، بيان حول زلزال محتمل في إسطنبول، يمتد لأحد فروع فالق شمال الأناضول في بحر مرمرة قبالة ساحل إسطنبول بالضبط.
واكد في حديثه عن اقتراب زلزال مدمر يضرب إسطنبول، قائلا: في الدراسات التي أجريت، ورد أن احتمال حدوثه في غضون 30 عامًا من عام 1999 هو 62 في المائة، بدءًا من زلزال 1999؛ ما يعني أنه متوقع خلال السنوات السبع القادمة.
وقال أستاذ علم الزلازل التركي هالوك إيدوغان في حالة تفعيل الفالق في بحر مرمرة، فسيحدث زلزال قوي باحتمال ٥٠ في المئة بحلول عام 2030 ، وقال قد تم التوصل إلى الاستنتاج بناءً على دراسة 2000 عام من تاريخ الزلازل في هذه المنطقة وتحليل نتائج الدراسات الجيوفيزيائية والزلزالية.
وقال: سيؤثر الزلزال في بحر مرمرة على الفور على سبع مقاطعات يبلغ عدد سكانها أكثر من 25 مليون نسمة، ومن الصعب تخيل مقدارالضرر الذي سيحدث.
وأشار الأستاذ في معهد الزلازل دوغان كالافات، الى إحصائيات تظهر النسب المئوية لحدوث زلزال محتمل في إسطنبول بقوة ٧ درجات قبل عام ٢٠٣٠ بحدود ٦٤ في المئة، و ٧٥ في المئة قبل ٢٠٥٠ ، و ٩٥ في المئة قبل ٢٠٩٠ .
وقال رئيس مرصد قنديللي خلوق أوزينر: لا نعرف ما إذا كان حدوث زلزال مرمرة المتوقع قد حان..نعم، هناك تراكم للطاقة في نطاق الفالق، لكننا لا نعرف متى سيحدث ذلك. وقال إن الزلزال المتوقع ستكون شدته ٧ درجات.
وتعتبر مدينة إسطنبول من أكبر المدن التركية حيث يوجد فيها عشرون مليون نسمة، والزلزال في حال حصوله يمكن أن يدمر أكثر من ٦٠٠ الف منزل وفق غورور ،ما يجعل أكثر من ٢،٥ مليون نسمة في خطر الموت .
تشير المعطيات السابقة الى أن زلزالا كبيرا سيضرب المدينة
وإن الذي يخيف أكثر هو هدوء نطاق فوالق شمال الأناضول في السنوات الأخيرة ، بعكس نطاق فوالق شرق الأناضول، التي فرغت ضغوطها بعد زلزال ٦ شباط ،لذلك فاحتمال حدوث الزلزال يتزايد مع الوقت؛ لأن الضغوط تتزايد على هذا النطاق الشمالي ،خاصة مع حركة 2.5 سم في السنة .
وكلما زادت الطاقة المتراكمة في نطاق الفوالق، زادت قوة الزلزال، التي يمكن أن تتجاوز بتقديري ٧،٦ درجات بمقياس ريختر .
واعتقد بأن الزلزال يمكن أن يحدث قبل عام ٢٠٣٠ بنسبة كبيرةـ ويجب على مسؤولي المدينة والضواحي المجاورة العمل على مجابهة آثار هذا الزلزال منذ الآن .
ونأمل السلامة للجميع .
* باحث أكاديمي وكاتب سياسي