د. فلاح الحسن* – الحوار نيوز
بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد زادت مساحة الأراضي الجديدة التي تسيطر عليها القوات الروسية. فبعد سقوط “باخموت” جاء دور “افديفكا” الاستراتيجية في مؤشر يدل على علو كعبها في ساحة المعركة.
بعد أن حاصرت القوات الروسية نظيرتها الأوكرانية وقطعت الطريق الوحيد الذي يربط المدينة بباقي الأراضي الأوكرانية، تحولت المدينة الى مفرمة لحم حقيقية حيث أصبحت تحت مرمی نیران المدفعية والأسلحة المختلفة. وقد يكون من بين أسباب فشل الجيش الأوكراني في الدفاع عن المدينة الأكثرتحصيناً على خطوط التماس الحالية هو :
– تراجع حجم الامدادات الامريكية بالأسلحة والاعتدة، وبالخصوص قذائف المدفعية 155 ملم، وعدم قدرة الدول الأوروبية مجتمعة على سد هذا النقص.
- انخفاض معدل النيران من واحد الى خمسة، ما يعني ان القوات الروسية تطلق خمسة اضعاف القوات الأوكرانية.
- التفوق الروسي برياً وجوياً بالعدة والعدد مع دخول أنواع جديدة من الطائرات دون طيار متعددة المزايا والاستخدامات يتزامن مع مضاعفة انتاج المصانع الروسية المختصة لتزويد خط الجبهة بما يحتاجه من أسلحة واعتدة.
- الاستراتيجية الروسية باستخدام الصواريخ والقنابل الموجهة شديدة الانفجار بكثرة أدت الى زيادة عدد الضحايا في الجانب الاوكراني. كما تم الحديث عن بدء استخدام صواريخ روسية حديثة من طراز (69-X) للمرة الأولى.
- التغيرات الأخيرة في قمة هرم القيادة العسكرية الأوكرانية قد تكون أدت الى فقدان الثقة وتسرب الخوف الى المستويات القيادية الأدنى فيها والتوجس من شمولهم بهذه التحولات في مراكز القيادة والسيطرة.
- فقدان العناصر المدربة جيداً مع خبرة قتالية كبيرة لدى الجانب الاوكراني وتعويضها بجنود اقل تدريباً وأكبر عمراً في جبهات القتال.
تتزامن هذه العوامل مع استبدال الفاعل الأمريكي الرئيس في التمويل والتسليح وتسليم القيادة الى المانيا وفرنسا، لتكون هاتان الدولتان رأس الرمح في دعم الجيش الاوكراني بعد فشل الكونغرس الأمريكي في إقرار قانون تمويل العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية خلال الفترة الحالية، وبانتظار عودة الكونغرس الى الاجتماع مع احتفاظ واشنطن بالقيادة السياسية وإدارة المعركة عن بعد.
ولتخفيف الأثر السلبي لتراجع الدعم الأمريكي تعهدت برلين بتقديم كل ما تحتاجه كييف من تسليح وتمويل لتحرير أراضيها، بعد ان وقّعت معها اتفاقية الضمانات الأمنية.والامر نفسه قامت به باريس، لذا فان انهيار الجيش الاوكراني لن يكون سريعاً كما كان متوقعاً في حال توقف واشنطن عن تزويد الطرف الاوكراني بالأسلحة.
يذكر ان المستشار الألماني أعلن عن ان برلين ستنفق 15 مليار يورو عام 2024 لتوفير حاجة أوكرانيا من الأسلحة والاعتدة، كما سترسل 36 مدفعاً ذاتي الحركة ونظامين من طراز (SKYNEX) ومنظومة (IRIS-T) للدفاع الجوي و 120000 قذيفة مدفع من عيار 155 ملم، بالإضافة الى الصواريخ المضادة للطائرات وهو ضعف ما قدمته المانيا للجيش الأوكراني عام 2023. كما ستقوم برلين ببناء مصنع عسكري للأسلحة والاعتدة على الأراضي الأوكرانية. كما دعا المستشار الألماني اولف شولتز الدول الأوروبية الأخرى للمشاركة الفاعلة في امداد كييف بما تحتاجه، مع اعترافه بعدم قدرة مؤسسته العسكرية على تأمين ما تحتاجه كييف من أسلحة واعتدة منفردة.
في الوقت نفسه تعهدت باريس بتقديم مساعدات عسكرية بما يقارب 3 مليار يورو، وقد ظهرت الدبابة الفرنسية (AMX-10RC) ضمن بعض القطعات العسكرية الأوكرانية، بالإضافة الى معدات واسلحة فرنسية أخرى موجودة منذ فترة لديهم، ما يدل على انخراط باريس بشكل أكبر في تسليح الجيش الاوكراني، وخاصة بعد تراجع المساعدات الامريكية.
ويمكن تفسير عدم الإعلان عن سقوط مدينة افديفكا بيد الروس مباشرة هو لمنح المزيد من الوقت للرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي يقوم بجولة اوروبية، وكذلك مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن لجمع مزيد من المساعدات العسكرية من دول حلف الناتو، وحتى لا يكون هذا الخبر بمثابة عائق امام هذه المساعي لشعور الطرف الأوروبي بعبثية إنفاق هذه الأموال والأسلحة، لأنها لن توقف تقدم موسكو، رغم الخسائر التي يتكبدها الجانب الروسي وبعد السيطرة على “افديفكا” وابتعاد مركز إقليم دونيتسك” عن مرمى النيران المباشرة قليلاً.
قد يكون الهدف القادم للروس هو مدينة “تشاسوف يار”. وبناءً على سياسة القضم التدريجي الاستراتيجي التي تتبعها موسكو قد يرى القادة العسكريون ضرورة استثمار ارتفاع المعنويات لدى افراد الجيش الروسي وتقهقر الجيش الاوكراني ليستمروا بالتقدم نحو مناطق أخرى على خطوط القتال.
فهل يكون سقوط “افديفكا” هو بداية انهيار الجيش الاوكراني ونقطة تحول في مجرى العلميات العسكرية برمتها، بعد حالة الإرهاق والتعب وكثرة الضحايا مع صعوبة إيقاف تقدم الجيش الروسي في اغلب خطوط التماس على طول الجبهة الملتهبة رغم البرد القارص والثلوج التي تغطي كل شيء الا فوهات الدبابات والبنادق؟
. عضو المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل