هل ستنجح أنقرة في حراكها على خط الوساطة وتحويل الصراع المزمن لحل مستدام؟(كولشان صغلام)
بقلم د.كولشان يوسف صغلام – بالتزامن مع “اللواء”:
يمر الأسبوع الثاني على عملية “طوفان الأقصى” ورد الكيان الإسرائيلي تحت عنوان” السيوف الحديدية”، وما زالَ التصعيد العسكري سيد الموقف، حيث لا يتوانى الاحتلال الإسرائيلي عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين ،وكان آخرها استهداف مستشفى المعمداني في انتهاكِ صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وتأتي عملية “طوفان الأقصى” نتيجة انعدام الحل السياسي للقضية الفلسطينية ما جعل الفلسطيني يكتب تحرير فلسطين بالدم، حيث الحرب تبدأ عندما تفشل السياسة، ولكن لا يمكن للحرب أن تستمر مهما طالت. من هنا نجد بأن الجهود الدبلوماسية قد تكثفت في الآونة الأخيرة ومن بينها الدبلوماسية التركية حيث نشط وزير خارجيتها منذ اللحظة الأولى في مساعِ لوقف الحرب وتبادل الأسرى، ضمن سياسة جديدة تنتهجها أنقرة في القضية الفلسطينية. من هنا يمكن قراءة المواقف التركية الرسمية في التعامل مع هذه الأزمة.
أولاً: انحياز تركيا للشعب الفلسطيني بالرغم من مصالحها مع الكيان الإسرائيلي
من الواضح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خرج عن محددات الدور الذي رسمته أنقرة منذ بداية الأزمة، حيث أكد أن “الحرب لها اخلاقياتها وأطراف الصراع ملزمون بمراعاتها، ولا خاسر من السلام الدائم” .واعتبر ما يجري في غزة ليس حرب بل إبادة جماعية، حيث إسرائيل لا تتصرف كدولة بل كتنظيم . ويقول “أي دولة تعتمد قطع الكهرباء والماء واالمساعدات وتهدم دور العبادة وتقطع الطرقات والامدادات هذه ليست بدولة”.
واعتبر أردوغان أن” الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية تصب الزيت على النار”.
فبالرغم من عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مجراها على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي، بعد توترات زعزعت العلاقة لمدة طويلة ومعظمها كانت بسبب وقوف تركيا إلى جانب الشعب الفلسطيني.، وبالرغم من تتويج هذه العلاقة بزيارة رئيس العدو الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ لأنقرة في آذار 2022 بعد انقطاع 15 عاما، ولقاء الرئيس اردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي ،وتم مناقشة سبل تحسين العلاقات خاصة في مجال الطاقة التي تشكل أهمية قصوى لتركيا، وآخرها زيارة سفيرة الكيان الإسرائيلي إيرليت ليليان لأنقرة للرد على عرض الوساطة التركية لوقف التصعيد العسكري في غزة،ففي الساعات الأولى من انطلاق “طوفان الأقصى” اتصل اردوغان بنظيريه الفلسطيني والإسرائيلي مؤكدا لمحمود عباس أن تركيا ستبذل اقصى جهودها لإنهاء الاشتباكات في غزة وتراجع إسرائيل عن العملية البرية بأقرب وقت، حيث اردوغان يعتبر أنه لن ترتاح المنطقة بأكملها،إن لم تتوقف الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وتحل القضية الفلسطينية بشكل عادل ومستدام، وكانت تركيا من أول الدول التي أرسلت مساعدات لغزة عبرمصر.
ثانياً: هل ستنجح تركيا في لعب دور الوساطة؟
ترافق الحراك الدبلوماسي الدولي مع حراك تركي على عدة مستويات: المستوى الرئاسي والاستخباراتي وحراك ديناميكي لوزير الخارجية. وهذه المرة تركيا تحاول لعب دور الوسيط بين الطرفين، حيث اكدت أنقرة استعدادها لكافة أنواع الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ويأتي هذا بالتنسيق مع عدد من العواصم العربية، لاسيما المملكة العربية السعودية، مصر، قطر، الإمارات، وبدأت بزيارة إبراهيم كالن رئيس الاستخبارات التركية لمصر والتباحث في سبل الحل، وقام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان باتصالات ومحادثات هاتفية مع نظرائه في المنطقة للعمل على تراجع إسرائيل عن الدخول البري، كما أجرى وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلنكن إتصالا مرتين بنظيره هكان فيدان من اجل التوصل لوقف إطلاق النار. كما زار فيدان مصر والتقى نظيره المصري سامح شكري للبحث في مسألة الوساطة، حيث كان تركيزه على البدء بمحادثات السلام التي تركز على حل الدولتين، كما أكد على وقوف أنقرة إلى جانب القاهرة في رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر. وزيارته الأولى للبنان كوزير خارجية هي في غاية الأهمية وكلنا نعلم أن هاكان فيدان هو مهندس المصالحات التركية العربية، ولديه القدرة على الوساطة وإيجاد الحلول السياسية والعسكرية معاً.
يؤكد هاكان أن أنقرة تعمل على مسارين:
المسار الأول: هو العمل على وقف الحرب وفك الحصار عن غزة وادخال المساعدات كأولوية
المسار الثاني: هو منع اتساع رقعة الحرب، لاسيما للبنان، حيث استقرار لبنان بالنسبة لتركيا هو أمر مهم ،ولقاؤه برئيس الوزراء اللبناني وبجهات فاعلة أخرى هو لتجنب دخول لبنان في حرب مع العدو الإسرائيلي. من هنا يمكن تبيان أهمية لبنان لتركيا وهي تعتبرها دولة جوار ويربطها بلبنان علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية حيوية.
ثالثاٍ: أولويات أنقرة من خلال الحل الدبلوماسي
1-وقف إطلاق النار وفك الحصار وادخال المساعدات لغزة ومنع التهجير.
2-بدء مفاوضات ومباحثات السلام العادل والشامل، والتي تبدأ بحل الدولتين، استناداً إلى مساعي أنقرة التاريخية ،وكان آخرها تصريح الرئيس اردوغان بأنه قد حان الوقت للمجتمع الدولي لكي يعمل بشكل جدي على حل الدولتين.
3-توحيد السلطة الفلسطينية، على أن تكون هناك مرجعية واحدة
4-إقامة دولة فلسطينية تتمتع بمقومات الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.
لا شك أن انقرة قادرة على لعب دور محوري في الوساطة بين الطرفين، نظراً لقدرتها على التواصل مع الكيان الإسرائيلي من جهة، وقدرتها في التأثير على حماس من جهة أخرى. وإذا نجحت انقرة بالتعاون مع عواصم عربية وبالتنسيق مع أمريكا التي يهمها استقرار المنطقة، فهذا يعني المضي بشرق أوسط اقتصادي جديد. وقد يكون فرصة لحلِ مستدام في المنطقة يصب لصالح الجميع.