كتب حيدر شومان:
لا يمكن للمواطن بعد تشكيل الحكومة إلا أن يعيش الأمل بكل جنباته ولو كان تصور الواقع المعاش وحقائقه الأليمة تضعف من درجات ذلك الأمل. فلقد بدأت المعاناة الحقيقية منذ أكثر من سنتين، وعاش تداعيات الأزمة المتعددة الأطراف والتي تمس هذه المرة لقمة عيشه ودواءه وطبابته والمحروقات التي تحرّك مسيره في أرجاء وطنه.
لا يمكن إلا أن يتأمل خيراً بعد أكثر من ثلاثة عشر شهراً من مراوحة المعنيين بتشكيل الحكومة والأحزاب السياسية من ورائهم، لنيل مكاسب سياسية واقتصادية وخدماتية تقوّي من استمرارهم في العمل السياسي إذا ما فلحوا في الانتخابات. ومجرد تصور هذا الاستمرار في الحكم يضعف أكثر من تلقّي هذا الأمل والسير به نحو مجرد الأحلام المتواضعة لا الوردية في بلد كثرت على ضفافه الأشواك وندرت فيها الورود. لكن يجب أن يعتصم بالأمل، ولو فرضت السلطة السياسية وجودها في الحكومة العتيدة وفرض التناتش والمحاصصة آلية اختيار أعضائها. وهي معادلة عجيبة غريبة في بلد العجائب والغرائب، إذ إن مسبب الأزمات والمشاكل والمعاناة والجوع والحرمان يُختار كرهاً ليكون حاملاً عصا الحلول والمنفّذ الأساس للتغلب على الداء. ولا عجب في ذلك، ففي بلدنا لا رأي يُطاع للمواطنين في كل تفاصيل السياسة ودقائقها، فضلاً عن الاقتصاد والمال والاجتماع وما شابه، حتى ولو مثلتهم في كثير من العناوين ما يُعرف بالنخبة التي من المفترض أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى في كل صغيرة وكبيرة. فالنخبة في بلد يعيش أوضاعاً طبيعية، لها التأثير المباشر على سير الأمور وصيرورتها، لكن لبنان لم يعش منذ زمن بعيد تلك الأوضاع الطبيعية، فكيف بحاضرنا اليوم حيث لقمة العيش توجّه المواطن من كل الفئات (أي من النخبة وغيرها) في حركاته وسكناته.
لقد قامت الانتفاضة ضد الطبقة السياسية والزعماء التقليديين والأحزاب المتنوعة المشارب، واتهموا جميعاً (أو معظمهم) بسرقة البلاد وإغراقها بالديون والانهيار الذي طال كل أركان الدولة. ثار المواطنون العاديون، وكتبت الأقلام في شتى الميادين غاضبة، وانبرت النخبة الشريفة تتهم اللصوص والفاسدين مقدمة الأدلة والبراهين ومخاطبة عموم المواطنين بفساد الطبقة الحاكمة ومن يواليهم، ويجب محاكمتهم وإلقاؤهم حيث يجب أن يكونوا: في غياهب السجون. لكنه وبعد اللتيا والتي، سكتت الحناجر، وساد السكون الأرجاء، وخفتت الاتهامات، ولم يُحاكم أحد، وتُرك المجال لهذه الطبقة لتحدد الآتي من القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، لنقوم بكل إرادة حرة وعزم غريب بالتصفيق لها والحلول التي سوف تجترحها.
واللافت في أمرنا في هذا الوطن أن الطبقة الحاكمة التي تعتبر الداء، هي من صنيعة المواطنين عموماً ،فهم الذين يحددون استمرارية هذه الطبقة بل ويؤمّنون هذه الاستمرارية من خلال دعم أولادهم وأحفادهم وأصهرتهم وما شابه، ونظرة فاحصة في تاريخنا منذ مائة سنة يؤكد ما نقول.
وعلى الرغم من كل ما سلف، على المواطن أن يتفاءل ويحدوه الأمل في الحكومة القادمة من خلف تكتيكات الماضي وأساليبه الملتوية، لأنه وصل إلى مرحلة قصوى من المعاناة والحرمان، ولن يعيش أسوأ من مرحلة أرذل العمر التي يعيشها، بعد أن نُهبت أمواله وكدر عيشه ذلاً وقهراً ومعاناة، وباتت هذه الحكومة، وإن كان يرأسها السيد نجيب ميقاتي، الأمل الباقي الذي سوف يترقبه بكل شوق ولهفة ومحبة. وإن كان هذا الأمل يتمثل في عودتنا إلى الزمن “الجميل” منذ سنتين مثلاً، الذي طالما كفرنا به ودعونا بقوة إلى التغيير. لقد بلغ زعماؤنا من العبقرية أن جعلوا من حياتنا الطبيعية العادية التي لا معاناة فيها ولا ألم، نعمة يجب أن نشكر الله عليه، ووعينا أن الحياة التي كنا نعيشها فيما سبق جنة عرفنا معناها بعد أن عشنا جهنم الحالية وتداعياتها.
زر الذهاب إلى الأعلى