هل تطيح عملية فخري زادة بحكومة نتنياهو ..!؟
محمد صادق الحسيني
لا شك ان عملية الاغتيال كانت صعبة ومعقدةً وبحاجةٍ الى تحضيرات واسعةٍ وتعاون ميداني مع اجهزة مخابرات دوليةً حليفة لاسرائيل والموساد الاسرائيلي ، علماً ان جهاز الموساد هذا يتمتع بقدرات عملياتية عاليةٍ وله نشاط واسع ، في معظم انحاء العالم ، لا مجال للتطرق الى هذا الجانب في هذا المقام .
لكن القدرات الكبيره لم تضمن لهذا الجهاز النجاح في كل عملياته ، فهناك الكثير من الفشل الذي واجه عملاء الموساد عندما حاولوا تنفيذ عمليات اغتيال ، في اماكن مختلفة من العالم . واهم تلك المحاولات الفاشله هي :
١)قيام عملاء الموساد في اغتيال نادل مغربي ، بتاريخ ٢١/٧/١٩٧٣ ، كان يعمل في مطعم في مدينة ليللي هامر Lillehamer الترويجيه ، الواقعه على بعد مائة كيلومتر شمال أوسلو ، وذلك عندما اعتقد هؤلاء انه القائد الفلسطيني ابو حسن سلامه ( علي حسن سلامه ) ، الامر الذي فجر فضيحة دوليةً للموساد لا زالت تتفاعل حتى اليوم وتؤثر في السياسة النرويجيه تجاه القضية الفلسطينيه .
٢)محاولة الاغتيال الفاشله ، التي قام بها عملاء الموساد ، ضد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، خالد مشعل ، بتاريخ٢٥/٩/١٩٩٧ ، بأوامر من رئيس الوزاراء آنذاك ، نتنياهو الحالي ، وحين كان الجنرال داني ياتوم قائد لجهاز الموساد . تلك العمليه التي تحولت الى فضيحة دوليه ايضاً ، اضطرت اسرائيل نتيجة لها ان تخضع وترسل الترياق الى الاردن واعطاءه لمشعل ، تحت ضغط الملك الاردني ، الحسين بن طلال ، وتهديده الغاء اتفاقية السلام مع اسرائيل ، اذا لم تنقذ حياة مشعل ( كان مواطناً يحمل الجنسيه الاردنيه ويقيم في عمان آنذاك ) .
٣)فشل الموساد ، مرات عده ، في اغتيال علماء ايرانيين ، ومن بينهم العالم محسن فخر زاده ، سابقاً .
٤)ولكن الفشل الاكبر ، للموساد الاسرائيلي ، يتمثل في "نجاحه" في اغتيال العالم الايراني ، محسن فخري زاده ، وذلك للأسباب التاليه :
أ) الخلاف الشديد الحاصل حالياً ، بين نتنياهو ورئيس الموساد من جهة ، وبين بقية الاجهزة الامنيه والجيش الاسرائيلي ، من جهة أخرى ، على خلفية تنفيذ عملية الاغتيال ، دون التشاور ، مع أيٍ من تلك الاجهزة الامنية والعسكريه ، مطلقاً ، حسب معلومات كبار الصحفيين والمحللين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين وكذلك حسب تقديرات مراكز الابحاث الامنيه في اسرائيل .
ب)الاشتباك العلني المفتوح ، بين نتنياهو وقائد الموساد من جهة ، وبين جميع الاحزاب السياسيه الاسرائيليه ، خارج تحالف نتن ياهو ، من جهة أخرى . علماً ان الشخصية السياسية ، التي تقود هذا التحرك ، المناهض لنتنياهو وسياسة تفرده بالقرار ، هو يائير ليبيد ، والذي بدأت شعبيته بالارتفاع المتسارع ، بين الجمهور الاسرائيلي ، وذلك لانعدام ثقة هذا الجمهور بنتن ياهو وبزعيم حزب ازرق ابيض ، شريك نتنياهو في الحكومه ، الجنرال بني غانتس .
ج)رفض قيادة الجيش اتخاذ اية اجراءات اضافية ، لمواجهة اي رد ايراني محتمل ، وذلك تعبيراً عن رفض وزارة الحرب ( بني غانتس ) وهيئة الاركان لتحمل مسؤولية القرارات الفرديه التي يتخذها نتنياهو . وفِي هذه الحاله قراره بالموافقة ، على اغتيال العالم النووي الايراني ، دون التشاور مع قيادة الجيش والاجهزه الامنيه الاخرى ذات الصله .
وهذا يعني ، حسب المعلومات التي يتداولها محللون وخبراء اسرائيليون ، ان قيادة الجيش قد ابلغت نتنياهو انها ليست مسؤولة عن اية نتائج تترتب على الرد الايراني المحتمل . وهو أمر نادر الحدوث جداً في "اسرائيل" ، اذا لم تكن هذه هي المره الاولى التي يرفض فيها الجيش الاسرائيلي تحمل وازرة رئيس الوزراء .
اي ان هناك شرخاً كبيراً داخل الاجهزه الاسرائيليه ، العسكرية والسياسيه ، ذات الصله بموضوع قرار الاغتيال وتنفيذه وتحمل وِزْرَ تداعياته.
د)الهلع الشديد ، الذي يجتاح المجتمع الاسرائيلي ، خوفاً من الرد الايراني ، وطلب العديد من الجهات السياسيه والنخب السياسيه والصحفيه والبحثية ، من الحكومه العمل على ايجاد وسيلة ، لاقناع ايران بعدم الرد ، وذلك لان قرار تنفيذ عملية اغتيال فخرزاده كان قراراً فردياً ، اتخذه نتنياهو وليس الاسرائيليون .
علماً ان أوساط نتنياهو ومحازبيه يواصلون محاولات اقناع السكان ان ايران لن ترد على العمليه ، نتيجة لما تعانيه من مشاكل وانقسامات داخليه ، إضافة الى المشاكل ، التي تواجه حلفائها في اليمن والعراق وسورية ولبنان ، وعدم رغبتها في الانجرار الى حرب واسعه.
اي انهم يحاولون اقناع الجمهور بأن "ضعف" ايران سيمنعها من الرد . الا ان الجمهور يرفض الاقتناع بهذه الطروحات ويواصل غضبه ورفضه لسياسات نتنياهو الفرديه ويتوعدون باسقاطه في الانتخابات القادمة مهما كانت الظروف وبغض النظر عن التباينات السياسيه والمجتمعية .
من هنا فإن ايران ، ورغم خسارتها كبير علمائها النوويين ، هي المنتصرة في الميدان وليس نتنياهو ، حسب تقديرات الخبراء الاسرائيليين ، من خارج تحالف الاخير ، المقتنعين بأن اغتيال هذا العالم ليس فقط لن يوقف المشروع النووي الايراني ، بل لربما يعززه ويفتح الطريق الى تغيرات استراتيجيه واسعة في الدور الايراني ، الاقليمي والدولي .