حسم الرئيس الأمريكي جو بايدن أمره من مسألة صفقة أسلحة مع الإمارات كان سلفه دونالد ترامب قد وافق عليها في آخر ساعة من أخر يوم في ولايته، وأبلغ البيت الأبيض مجلس الكونغرس بأن الرئيس سيمضي قدما في الوفاء بتعهدات سلفه والموافقة على الصفقة التي بلغت قيمتها 23.37 مليار دولار.
هل تحول هذه الصفقة دولة الامارات العربية المتحدة الى دولة إقليمية؟
موضوع التسلح لوحده غير كاف، للتحول بأي دولة الى قوة إقليمية مؤثرة في صناعة الأحداث ضمن حيز جغرافي معين، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة، استثمرت بالتوازي مع خطة تعزيز قدراتها العسكرية في الكثير من المجالات العلمية والثقافية والإنسانية، وحولت العلاقات التاريخية التي تربطها بمختلف دول العالم على صعيد القارات المختلفة إلى قوة مادية بفعل المساهمات والمساعدات التي اكتسبت صفة المستدامة.
ولعل تقدمها في مجالا الأبحاث العلمية الطبية ودخولها عالم البحاث الفضائية مؤخرا مؤشرين على التميز الدولي والتفوق الإقليمي.
وقد تجاوزت دولة الامارات العلاقات بمعناها الديبلوماسي وتدخلت مباشرة عسكريا وسياسيا في الكثير من الساحات العربية وغير العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، في سوريا واليمن وغيرهم من الدول الافريقية.
ومن المؤكد بأن موافقة الرئيس بايدن على صفقة بيع الأسلحة الأميركية لدولة الامارات لم تكن ممكنة لو لم تبرم دولة الامارات اتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما يمكن إضافة حجم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، والدور الذي ترسمه واشنطن لدبي في مواجهة النفوذ الإيراني.
في عودة لملف التسلح تعتبر الصفقة التي وافق عليها بايدن هي الأكبر بين الصفقات التسليحية لدولة الإمارات مع الولايات المتحدة. وستحصل أبو ظبي بموجبها على 50 طائرة من طراز أف – 35 و18 طائرة حربية مسيرة، وصواريخ جو – جو، وجو – أرض.
وجاء هذا الإعلان بعد أسابيع راجعت خلالها إدارة بايدن الصفقة بهدوء، وتمكنت من تجاوز محاولات نواب في الكونغرس إعاقة تمريرها بسبب دور الإمارات في الحرب اليمنية وقلقهم من أن حصول الدولة الخليجية على مثل هذه الأسلحة من شأنه أن يخل بالضمانات الأمريكية باستمرار التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. غير أن إسرائيل تدخلت وأعلنت أنها لا تعترض على بيع تلك الأسلحة المتطورة لأبو ظبي.
وفي يوم الإعلان قال المتحدث باسم الخارجية الامريكية في بيان صادر عنه إن بلاده “شرعت في حوار شامل مع الإمارات من أجل التوصل إلى شراكة أمنية أكثر قوة…”
وأضاف: “سنواصل التأكيد مع الإمارات، ومع كل من يحصل على معدات أو خدمات عسكرية أمريكية، على ضرورة استعمال تلك التجهيزات بطريقة سليمة وفي إطار احترام حقوق الإنسان، والالتزام التام بقوانين النزاعات المسلحة”.
وبذلك تكون دولة الإمارات، رغم معارضة العديد من المنظمات والوكالات والجمعيات المدافعة عن حقوق الانسان، قد كسبت رهانها في الظفر بصفقة تسليحية ستضعها في مقدمة الدول الكبرى إقليميا من حيث نوعية السلاح. وستضيف الدولة الخليجية هذا التفوق التسليحي الى عدد من إنجازاتها على مستوى منطقة الخليج تضاهي به دولا عربية أخرى.
ويعود جزء من الفضل في ظفر الإمارات بهذه الصفقة لمجموعة الضغط الإماراتية النشطة في واشنطن منذ عام 2008. فعلى مدى السنوات أصبحت هذه المجموعة الأكبر في نوعها بين المجموعات الأخرى في العاصمة الامريكية من حيث حجم الميزانية والإنفاق. وطبقا لوثائق صادرة عن وزارة العدل الأمريكية، نشرتها صحف أمريكية، فقد نشطت مجموعة الضغط الإماراتية في إقامة علاقات ارتبطت من خلالها بمجموعات أمريكية بعضها يميني وبعضها معاد للإسلام على نحو صريح وبعضها موال لإسرائيل.
وكشفت وثائق نشرتها مجموعة الضغط الإماراتية في واشنطن أن حجم إنفاق المجموعة منذ عام 2011 بلغ حوالي 133 مليون دولار صرفت لتمويل خدمات الضغط وحملات العلاقات العامة في واشنطن.
وثمة تساؤلات عديدة حول أسباب سعي أبو ظبي الى اكتساب كل هذه الأسلحة. فهل هي تتعرض فعلا لخطر ماثل من إحدى الدول المجاورة أم أن تلك الأسلحة ستستخدم في تحقيق أهداف عسكرية استراتيجية بعيدة عن حدود الامارات وتمتد الى اليمن وليبيا وأفغانستان وحتى الصومال.
ويبدو أن الصفقة تتماشى مع نمط سنته الإمارات لنفسها تثبت بموجبه أنه بالرغم من كونها دول صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان إلا أنها ضخمة من حيث الثروة والطموح لأن تكون الدولة الأقوى في الخليج. ولا أدل على ذلك من إنجازاتها على مدى العام الماضي حيث مضت في مشروع فضائي نحو كوكب المريخ وطبعت العلاقات مع إسرائيل وتمكنت من تسطيح منحنى الإصابات بفيروس كوفيد 19 وتطعيم نسبة 98% من سكانها في فترة قياسية.
ويقول فرانك غاردنر محرر الشؤون العسكرية في بي بي سي إن الدولة الخليجية التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لقيامها تسعى لأن ينظر إليها كدولة عربية كبرى. ويستدل غاردنر على ذلك بتصريح لوزير الخارجية الاماراتي السابق أنور قرقاش عندما قال: ” نريد أن نكون لاعبا دوليا… نريد أن نحطم كل الحواجز التي تقف في طريقنا… وفي تحقيق ذلك لا بأس من ركوب بعض المخاطر الاستراتيجية”.