هل تبادر قوى الاعتراض لجمع صفوفها أم تغرق في هوياتها الفئوية القاتلة؟
من محاسن الصّدف للمعترضين على السياسات الحكومية، أن يُجمِّعَ الممسكون بزمام السياسة اللبنانية اليوم، ما عملوا على تفريقه والسيطرة عليه طوال أكثر من ربع قرن. ففي تحركات متعدّدة على مدى أسبوع، استطاعت الحكومة جمع، عسكريين متقاعدين، وعمالا، وموظفين، وناشطين مدنيين، ونقابات، وروابط وأحزاب معارضة، رافضين للسياسات المالية والضرائبية، ومعترضين على الاقتطاعات من أجورهم ومكتسباتهم وتقاعدهم. كما استطاعت (الحكومة) استفزازهم وجعلهم يقومون بخطوات تصعيدية بعضها أخذ شكل الاحتجاجات الشارعية، وبعضها الآخر على شكل إضرابات مرّ زمن طويل لم تشهد البلاد مثيلا لها إلّا في مناسبات سياسيّة. ويبدو، انّ القادم من الأيام، وتزامنا مع استمرار نقاش الموازنة في المجلس النيابيّ، سيجعل من تلك التحركات والاعتراضات تسير في سلّم تصاعدي.
وإذا كانت أزمة الحاكمين أو المتولين دفة الحكم، قد أوصلت المعترضين إلى الحافة، سواء عن علم او جهل، وبعضهم (أي المعترضين) لا بل كثير منهم، كان حتى الأمس القريب وما يزال، نصيرا وظهيرا لهم ومن جماعاتهم الوظائفية أو ماسكا بمؤسسات ولّوه هم عليها (أي للحاكمين)، فمن باب أولى اليوم للمعترضين، وكي يحققوا مرادهم، ويمنعوا عن أنفسهم مرارة الكأس المراد لهم شربها، أن يتوافقوا مع غيرهم من المعترضين حتى ولو كان حبل الودّ بينهم مقطوعا.
من خير المعترضين اليوم على السياسات المالية والضرائبية، أن يبادروا تجاه بعضهم البعض، أو أن يبادروا إلى توسيط طرف ثالث للتوفيق بينهم، فما يجمعهم في اعتراضهم كثير، من مصلحة اليساريين، كما هو من مصلحة الاتحاد العمالي العام، والناشطين المدنيين، وروابط المعلمين وأساتذة الجامعة وموظفي القطاع العام أن يبادروا للتوافق فيما بينهم.
إنّ الظروف باتت مؤاتية لتطوير وتأطير التحركات، ومأسستها مع الوقت، وصولا إلى طرح سياسة إنقاذ للبلد، تحت قيادة جماعية تخطط وتتحرك وتحرّك كل المعترضين والمنتظرين.
فهل تبادر تلك القوى؟ أم تغرق في هوياتها الفئوية القاتلة؟