رأي

هل انتصر سمير جعجع؟(حيدر شومان)

حيدر شومان – خاص الحوار نيوز

وكالعادة، ينقسم اللبنانيون كما في كل مرة يبرز حدث ما أو قضية تتعلق بالسياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو… لكن الخطورة هذه المرة أن خلافهم تجلّى عند وقوع سبعة شهداء والعشرات من الجرحى في مسيرة قيل فيها ما قيل، وتحركها وتوجهها وضربها والخاتمة التي ككل التفاصيل، لم يُتفق عليها واتخذت كل جهة المنحى التي تريد حسب ما يوافقها.

تتميز هذه الحادثة عن غيرها من الأمور الخلافية في أنها أعادت إلى الأذهان أيام الحرب الأهلية ومآسيها، وأشعرت أن عودتها مجدداً ليست من الأمور المستبعدة كلياً كما قيل دوماً وبإصرار حثيث. كذلك فإن ما أنتجته هذه الحادثة الاستثنائية موافق مغايرة إلى حد كبير لا يتوافق مع جريمة ارتكبت، ونقول جريمة لأن هناك ضحايا سقطت بغض النظر عن سبب سقوطها.

عندما يتحدث الزعيم الملهم عن ميني 7 أيار مسيحي فمعنى ذلك أن هناك اجتياحاً شيعياً لمناطق مسيحية وكان لازماً على أهلها الدفاع عن النفس أمام قوة غريبة جاءت من خلف البحار والتاريخ، ويجب استخدام القوة الساحقة لردعها بالقتل والقنص وما تتطلبه المعركة من مواجهة. لقد قيل إن مجموعة من المتظاهرين اقتحمت شارعاً في عين الرمانة وأثارت الشغب وتعدت على الآمنين، ولم تؤكد هذه الرواية متى جرى هذا الاقتحام (أي بعد القنص أو قبله)، لكن اللافت للأمر أن الشهداء والجرحى سقطوا في مكان آخر وليس في منطقة الاقتحام، ما يدل على أن نيّة القتل كانت مبيّتة قبل انطلاق التظاهرة، وأن رواية إشكال جرى بين فريقين أو شارعين لا يمكن تصديقها خصوصاً وأن الضحايا ينتمون إلى فريق واحد، وبيان الجيش الأول، وتصريح وزير الداخلية الأول أيضاً يبينان أن قناصين اعتدوا على مظاهرة سلمية بالفعل (ولن نعلّق على البيانان الثانيان لكل منهما).

هناك الكثير من العهر في المواقف التابعة لبعض السياسيين والصحفيين والحزبيين وأهل الخبرة في مجالات الشأن العام، والتي من المفترض أن تكون النخبة التي توجّه الرأي العام عادة وترشده إلى سواء السبيل، أثنت على حركة القوات الدموية وزعيمها عندما دافعت عن مناطقها وأمنها ضد فئة تملك فائضاً من القوة لا يُستهان به، وأن الهالة التي تملكها هذه الفئة قد سقطت بفعل هذا الدفاع النضالي، بغض النظر عن من قُتل وجُرح، وأن هذه المعركة قد زادت من شعبية سمير جعجع مسيحياً وسوف يتجلى ذلك في الأشهر القادمة عند الانتخابات النيابية، وستتغير دون شك الأكثرية لصالح فريقه وأعوانه.

ليس من الغرابة أن يرتكب سمير جعجع وأعوانه هذه المجزرة، فالتاريخ يحدّث في كثير من بواطنه عن ارتكاباته المتعددة والتي يعرفها القاصي والداني، لكن الغرابة في المواقف التي دافعت عن القتل بكثير من الوقاحة والنذالة طمعاً في مكاسب شخصية سياسية أو مالية أو غيرها، ما يدل على أن الخلاف القائم في لبنان بين فرقائه متجذر بطريقة يصعب فيه الالتقاء ولو على أمور متسالمة بديهية، وأن الحرب التي انتهت منذ ثلاثين سنة لمّا تزل حية في وعي البعض من اللبنانيين، وأن في ترداد معزوفتها السوداء بمناسبة ودون مناسبة، مكاسب دائمة متجددة لهؤلاء العملاء.

لم تكن مجزرة الخميس الماضي مجرد مظاهرة أُطلق عليها النار من قبل غوغائيين قد يُرمى ببعضهم في السجن (في أحسن الأحوال)، والرحمة على من رحل والدعاء بالشفاء لمن جُرح، بل إنها نهج قديم يتجدد مع كل منعطف له وقع إقليمي أو داخلي، خصوصاً في ما يتعلق بمصالح الكيان الصهيوني العامة والخاصة والتي نجد لها الكثير من الموالين إذا ما جد الجد ودعت الحاجة إلى تحركهم التآمري في السياسة والاقتصاد والمال وضرب السلم الأهلي وتجويع اللبنانيين وتركيعهم وإحباطهم وحرمانهم من كل ضروريات الحياة، وما نشهده اليوم مثال صارخ على إجرام هذا النهج، لذلك ننادي مع المنادين بتحقيق جاد وحقيقي للكشف عن المحرّض لتلك المجزرة قبل المنفذين، ليتيقن الجميع أكثر من أي وقت مضى أن هناك جماعة من الداخل لا تستحق الشراكة والزعامة والإدارة، بل أن السجن لها هو خير مأوى كما كان من قبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى