هل السياسة عمل شريف؟
قال إدوارد هيث رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في مقابلة إذاعية : حين كنت طالبا لم يكن في بيتنا كهرباء، وكنت أقرأ دروسي على ضوء شمعة وكان أبي يشفق علي ويقول :لماذا لا تترك هذا الهراء وتبحث عن عمل شريف ؟
هنا ضحك المذيع وسأله : وماذا قال أبوك بعد أن أصبحت رئيسا لوزراء بريطانيا ؟
قال هيث :قال لي "ألم أنصحك بالبحث عن عمل شريف" ؟
والواقع أن حكاية هيث ووالده تطرح سؤالا مشروعا :هل السياسة عمل شريف أم لا؟
الجواب المنصف على هذا السؤال :يمكن أن تكون السياسة عملا شريفا ويمكن ألا تكون.فالمشكلة ليست في السياسة ،بل هي في من يمتهن السياسة.والسياسة كالصحافة والاقتصاد والاجتماع والتربية والقضاء والمحاماة والعسكرية وغيرها ،كلها مهن تحمل من الفضائل ما يبني أفضل الدول والمجتمعات اذا ما توفر لاداراتها رجال على خلق كريم .ويمكن لهذه القطاعات أن تهدم دولا ومجتمعات عامرة وفاضلة إذا ما تنكب لها من ليس في طباعهم خلق ولا كرامة .
كان علي بن أبي طالب رجل سياسة.وكذلك كان المهاتما غاندي وعمر المختاروجمال عبد الناصر والامام الخميني ونيلسون مانديلا وغيرهم كثر.هؤلاء أنصفهم التاريخ لأنهم مارسوا السياسة بشرف،فيما كثر غيرهم ممن مارسوا السياسة، لا يشرفهم تاريخهم السياسي.والمقياس في ذلك هم الناس وحقوقهم لدى أولي الأمر ،وهو الانسان الذي يقترب منه رجال السياسة أو يبتعدون.
وفي علم السياسة وحقوق الناس ،ما تزال رسالة علي بن أبي طالب الى واليه على مصر مالك الاشتر تدق أبواب جميع مجالس حقوق الانسان منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. يوصي خليفة المسلمين الوالي بالناس فيقول في الرسالة: "أشعِر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، ولا تكونن عليهم سُبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فانهم صنفان: إما أخ لك في الدين ،و إما نظير لك في الخلق. فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك".
والسؤال الاكثر حرجا في عالمنا اليوم ،اين حكامنا واولياء الأمر فينا من عهد الاشتر الذي وضعه الامام علي قبل 1400 سنة ،واين الناس من كل هذا؟
السياسة عمل شريف ،بالإذن من والد ادوارد هيث،ينقصها فقط رجال سياسة شرفاء.ونقطة على السطر .