كتب د.عماد عكوش
بعد قرار مصرف لبنان بالتوقف عن تمويل عمليات أستيراد المحروقات على سعر 3900 ليرة لبنانية ، أرتفعت أسعار المحروقات في الأسواق وتوقفت معظم الشركات عن التوزيع وأقفلت المحطات أمام السيارات، والجميع ينتظر التسعيرة الرسمية الجديدة التي من المتوقع أن تصدر عن وزارة الطاقة خلال اليومين المقبلين، وعلى أمل أن يصدر هذا السعر خلال هذا اليوم لمنع التخبط في السوق ومنع أحتكار هذه المواد مجددا والتحكم بأسعارها من قبل تجار الشارع والزواريب .
من ناحية حجم الأستيراد، وكما كان متوقعاً ، تقلّص حجم استيراد لبنان من المحروقات الى النصف تقريباً ، بحيث أصبح في نهاية العام 2020 على الشكل التالي :
– محروقات: 3188مليون دولار عام 2020، و 6534 مليون دولار عام 2019
-
لصالح مؤسسة كهرباء لبنان:956 مليون دولار عام 2020 ،و3243 مليون دولار عام 2019 .
-
لصالح القطاع الخاص:2231 مليون دولار عام 2020 ،و3292 مليون دولار عام 2019
يتبين مما عرضنا سابقاعدة نتائج أساسية وهي :
– ان فقدان المواد هذا نتيجة التهريب هي كذبة كبيرة جدا. فقد انخفض الأستيراد العادي للمحروقات بنسبة النصف تقريبا .
– أن الطلب على المازوت والذي يستورده القطاع الخاص من الطبيعي أن يرتفع الطلب عليه نتيجة لانخفاض أنتاج مؤسسة كهرباء لبنان وبالتالي انخفاض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي الى أكثر من ست ساعات على مستوى كل لبنان تقريبا، ومع ذلك لم يتم التعويض عن ذلك عبر زيادة الأستيراد بل الذي حصل هو عكس ذلك حيث انخفض الأستيراد بنسبة 32.22 بالمئة خلال العام 2020 مقارنة مع العام 2019 .
أما بالنسبة لعملية تمويل الاستيراد فكانت عمليات الأستيراد تتم في السابق وقبل رفع سعر الصرف الى 3900 ليرة لبنانية في القرار ما قبل الأخير، على أساس 90 بالمئة كتمويل من مصرف لبنان على سعر 1507.5 ليرة و 10 بالمئة من قبل التجار على سعر السوق الفعلي للدولار . اليوم وبحسب البيان الصادر عن مصرف لبنان سيتوقف البنك المركزي عن تمويل هذه العمليات على أساس السعر القديم بل على أساس سعر أخر ،ما يعني أن مصرف لبنان سيبقى يمول هذه العمليات من ناحية المبدأ ، لكنه لم يلحظ أي سعر سيعتمد ، هل سعر منصة صيرفة ، أم السعر في السوق الموازي ، وبالتالي بقيت الأمور غير واضحة ،وبالتالي لا يمكن لغاية الساعة التكهن بالأسعار الحقيقية التي ستكون عليها أسعار المحروقات. فبين سعر السوق الموازي وسعر منصة صيرفة فارق يصل لحدود 20 بالمئة تقريبا ، ولو فرضنا أن سعر تنكة المازوت 12 دولار فإن السعر بالليرة سيكون وفقا لسعر السوق الموازي حوالي 245.000 ليرة ،بينما وفقا لسعر منصة صيرفة والذي هو بحدود 16000 ليرة تقريبا، سيكون السعر 192.000 ليرة لبنانية . أذن الفرق واضح وكبير ويبلغ حوالي 53000 ليرة لبنانية ما بين السعرين ، لذلك علينا أنتظار بيان الحاكم للوقوف على أي سعر سيتم التمويل من قبل مصرف لبنان .
بالنسبة للكتلة النقدية، بلغت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية والتي ضخها مصرف لبنان في السوق حوالي 40561 مليار ليرة لبنانية كما في نهاية تموز 2021 ،وفقا لآخر بيانات صادرة عن مصرف لبنان ، هذه الكتلة تعادل بالدولار الأميركي وفقا لسعر صرف الدولار في السوق الموازي حوالي ملياري دولار أميركي .
مع أفتراض أن مصرف لبنان هو من سيمول عملية الأستيراد فإن حجم الأستهلاك بكل الأحوال سينخفض كنتيجة طبيعية لزيادة الأسعار بهذه النسبة الكبيرة جدا، ويمكن أن يصل حجم الأنخفاض الى الثلث تقريبا ، وهذا يعني أن حجم الأنخفاض سيطال حجم الأستيراد المتعلق باستيراد القطاع الخاص وليس أستيراد مؤسسة كهرباء لبنان ، فإذا علمنا أن حجم هذا الأستيراد بلغ خلال العام 2020 حوالي 2231 مليون دولار، فهذا يعني أنخفاض هذه القيمة الى حوالي 1487 مليون دولار . ومع أفتراض أن مصرف لبنان سيعتمد سعر المنصة وهو 16000 ليرة ،فهذا يعني أن شركات المحروقات ستقوم بتجميع وسحب حوالي 23792 مليار ليرة لبنانية من السوق ما يخفض الكتلة النقدية الى أكثر من النصف ، وفي حال تم أعتماد سعر السوق الموازي سيصل الأنخفاض الى أكثر من 70 بالمئة من الكتلة النقدية ، وبالتأكيد هذا سينعكس على حجم الطلب على الدولار في السوق المحلي، كما على حجم المضاربات أيضا، وبالتالي أقتصاديا سيكون له الأثر الأيجابي الكبير ، لكن طبعا في المقابل سيكون تأثيره كبيرا أيضا على أحتياطي العملات الصعبة أيضا، وإن كان بنسبة أقل من نسبة الأثر في الإبقاء على الدعم الكامل ، نظرا لأنخفاض الطلب على المحروقات وبالتالي انخفاض الأستيراد .
مع أفتراض أن مصرف لبنان لن يمول عملية أستيراد القطاع الخاص:بناء على نفس المعطيات السابقة فإن حجم الأستيراد والتمويل سيكون في حدود 1487 مليون دولار . نعم ستبقى الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية على حالها نظرا لسحبها من يد المستهلك عند الأستهلاك ،لكن ستتم أعادة طرحها مجددا في السوق عند القيام بعمليات شراء الدولار من السوق الموازي، وبالتالي سيكون أثر ذلك على السوق الموازي صفر ، لكن بالمقابل حجم الأحتياطي لدى مصرف لبنان في هذه الحالة لن يتأثر وسيبقى على حاله وسيتم بالتالي تمويل عمليات الأستيراد من دولار السوق المحلي المخزن في البيوت .
من هنا فإن النتائج المتوقعة لعملية رفع الدعم تعتمد بشكل أساسي على السعر الذي سيتم أعتماده ، وعلى من سيقوم بعملية تمويل الأستيراد . أما بالنسبة لسعر صرف الدولار فاقتصاديا هذه العملية يجب أن يكون أثرها أيجابيا، خاصة لناحية الحفاظ على العملات الصعبة في مصرف لبنان ، وأثرها أيجابي على وقف التهريب والإحتكار والتخزين ، وبالتالي أثر أيجابي على حجم الأستهلاك الذي سينخفض في كل الأحوال ما يدفع المواطن الى ترتيب أولوياته لناحية الإستهلاك ، لكن بالتأكيد فإن ارتفاع أسعار المحروقات سيترك أثرا على أسعار كل السلع الأستهلاكية في الوقت نفسه وعلى كلفة النقل ،ما يضاعف الأزمة الإجتماعية ويفرض على الدولة والأحزاب أن تقف إلى جانب المواطن ،ففي بلدي لم يعد هناك طبقة متوسطة والجميع أصبحوا فقراء .
زر الذهاب إلى الأعلى