هكذا يعترض رئيس الجمهورية على قرارات مجلس الوزراء
قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في السراي الحكومي بتاريخ ١٤ أيار إستبعاد إنشاء معمل في (سلعاتا) من ضمن خطة الحكومة للكهرباء، مما دفع برئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى توجيه كتاب من خلال المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، يطلب فيه من الحكومة إعادة النظر في القرار المتخذ، فما هو الإطار الدستوري لهذه المسألة وما هو دور رئيس الجمهورية تجاه الحكومة؟
قبل إتفاق الطائف(١٩٨٩) كان رئيس الجمهورية محور الحياة السياسية والقطب الأساسي في السلطة التنفيذية ويتمتع بصلاحيات كثيرة وهامة، فوفقآ للمادة ١٧ من الدستور كانت السلطة الإجرائية مناطة برئيس الجمهورية التي يتولاها بمعاونة الوزراء، كما أنه استنادآ للمادة ٥٣ كان يعين الوزراء ويسمي من بينهم رئيسآ ويقيلهم،غير أن التعديلات الدستورية لعام ١٩٩٠ أحدثت تغييرآ جوهريآ في نظام الحكم والصلاحيات، فانتقلت السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، وجعلت من مجلس الوزراء مؤسسة دستورية قائمة بحد ذاتها وتعود له مجموعة من الصلاحيات الواردة في المادة ٦٥ من الدستور،في حين بقي لرئيس الجمهورية صلاحيات متنوعة في إدارة الحكم وفي علاقته مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو خلال ممارسته لهذه الصلاحيات لا يكون مسؤولا إلاّ في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى، بينما المسؤولية السياسية تقع على عاتق الحكومة لأنها المسؤولة عن السياسة العامة في الدولة، ولذلك نجد ان المبدأ الدستوري يقول بأنه حيث توجد الصلاحيات تكون المسؤولية.لقد وضع الدستور رئيس الجمهورية في قمة هرم البنيان الدستوري وعلى مسافة واحدة من كل السلطات، ورسم له دوره وحدده في إطار السهر على إحترام الدستور، بما يحفظ استمرار وانتظام عمل السلطات الدستورية، كما اناط به الحفاظ على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه(المادة ٤٩ من الدستور).
وعلى الرغم من تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية استنادا الى التعديلات الدستورية لعام ١٩٩٠، إلاّ أن ذلك لم يجعله خارج السلطة التنفيذية، بل أن النصوص ما زالت تعطيه صلاحيات تجعل منه قطبآ دستوريآ مؤثرآ، فيزوده الدستور بالعديد من الوسائل والصلاحيات الدستورية، بما يحفظ له موقعه ومرجعيته ودوره كحامٍ للدستور ووحدة الدولة.إن رئيس الجمهورية يتمتع بمجموعة من الصلاحيات ذات الصلة بالعمل الحكومي، فيحق له ترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء دون ان يشارك في التصويت، ويحق له أثناء إنعقاد جلسة مجلس الوزراء أن يعرض أيّآ من الامور الطارئة من خارج جدول الأعمال، وهذا الجدول يتم وضعه من قبل رئيس الحكومة الذي عليه ان يطلع رئيس الجمهورية مسبقآ على المواضيع التي يتضمنها، وعلى المواضيع الطارئة التي سوف تبحث.كما يحق لرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس الوزراء إلى الإنعقاد بصورة إستثنائية، ولكن هل يحق لرئيس الجمهورية أن يعترض على قرارات مجلس الوزراء؟
الفقرة الثانية من المادة ٥٦ من الدستور تعطي رئيس الجمهورية صلاحية إصدار المراسيم وطلب نشرها، وله حق الطلب الى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس وذلك خلال (١٥) يومآ من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية، وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ، او أذا انقضت المهلة دون إصدار المرسوم او إعادته، يعتبر القرار أو المرسوم نافذآ حكمآ ووجب نشره.يتضح من خلال هذا النص أنه يحق لرئيس الجمهورية أن يعترض على قرارات مجلس الوزراء خلال المهلة المذكورة، وذلك من أجل أن يعيد مجلس الوزراء دراسة موضوع القرار واتخاذ ما يراه مناسبآ بشأنه، وهذا النص حديث، أي أنه لم يكن موجودآ في المادة ٥٦ قبل التعديلات الدستورية لعام ١٩٩٠، حيث كانت هذه المادة قبل تعديلها تنص فقط على إصدار القوانين ونشرها، ولم يكن من مبرر لوجود هذا النص أساسآ لأن السلطة الإجرائية كانت مناطة برئيس الجمهورية.أما بعد التعديلات الدستورية أصبحت هذه الصلاحية( أي الإعتراض على قرارات مجلس الوزراء) لها ما يبررها، لأن رئيس الجمهورية أصبح حكما بين السلطات وليس حاكمآ، وتنسجم مع الرقابة التي يمارسها وفقآ لأحكام المادة ٥٠ من الدستور(د.زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، ٢٠٠٦، ص ٧٤٤).لذلك يحق لرئيس الجمهورية أن يعترض على القرار الصادر عن مجلس الوزراء بشأن معمل سلعاتا الكهربائي، وهذا الإعتراض جاء ضمن المهلة الدستورية، لكن يحق لمجلس الوزراء أن يؤكد على قراره هذا، من خلال إعادة التصويت على هذا القرار مرة ثانية بالأغلبية المطلوبة وفقآ لطبيعة القرار المتخذ، ونقصد بطبيعة القرار المتخذ أن قرارات مجلس الوزراء تنقسم إلى طبيعتين، الأولى تحتاج الى غالبية أكثرية الحضور أثناء الجلسة، والثانية تحتاج الى غالبية ثلثي عدد أعضاء الحكومة في حال كان الموضوع يندرج ضمن المواضيع الأساسية التي عددتها المادة ٦٥ من الدستور، كإعلان حالة الطوارئ، التعبئة العامة، تعديل الدستور، الموازنة العامة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، حل المجلس النيابي، قانون الانتخابات وغيرها، وبالتالي إذا أصر مجلس الوزراء بالأغلبية المطلوبة على قراره ولم يصدره رئيس الجمهورية فيصبح هذا القرار نافذآ حكمآ ويكون لمجلس الوزراء صلاحية نشره في الجريدة الرسمية.