هكذا تنظر دمشق الى عودة العلاقات السورية – العربية :التطبيع رهن بالقرار الأميركي
يستغرب المسؤولون السوريون بشدة عندما تطرح عليهم القيام بمساع من أجل العودة الى الجامعة العربية .يجيب هؤلاء بنوع من السخرية الممزوجة بالغضب:"من قال لكم أننا نريد العودة الى الجامعة العربية؟..نحن لم نطالب بذلك مطلقا.هم أخذوا قرار إخراجنا من الجامعة ،وليعودوا هم عن هذا القرار ".
يشرح هؤلاء بعض الاتصالات واللقاءات التي جرت خلال السنوات الماضية مع العديد من الدول العربية،ويخلصون الى القول "إن تطبيع العلاقات السورية -العربية رهن بالقرار الأميركي ،وقد أكدت ذلك زيارات وزير الخارجية الأميركية بومبيو الى المنطقة كلما لاح في الأفق محاولة لتصحيح العلاقات العربية مع دمشق".
يستعرض مسؤول سوري بارز الحكاية منذ ما قبل ما سمي "الربيع العربي" فيقول: كانت هناك خطة مبرمجة لتخريب المنطقة العربية،وهذه الحرب كان يجب أن نتوقعها منذ التسعينات،لأن قضية فلسطين هي الأساس ،ولأن إسرائيل هي في قلب كل الأزمات التي شهدناها.كنا نصطدم دائما بالموقف الغربي في أروقة الأمم المتحدة بعد اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة.كانوا يقولون لنا إن العالم كله يتغير الا أنتم.يجب أن تتغيروا .كنا نختلف كتيار عروبي مع الآخرين في كثير من الأمور ،الا قضية فلسطين ،وهذا ما كانوا يريدوننا أن نتغير بشأنه.ومع ذلك كنا نرى ممثلي الدول العربية التي وقعت الاتفاقات ،يجتمعون بالاسرائيليين بعد كل اجتماع للمجموعة العربية.لذلك لا يمكن عزل إسرائيل عن كل ما جرى في كل بلد عربي.ومن هنا كان البعض يسألنا دائما: ألم تتوقعوا مسبقا ما حصل في سوريا؟ ..وهذا الأمر شمل معظم الدول العربية .والذي يعتقد أن الدور لن يأتي على السعودية وغيرها يكون واهما.
يضيف: كان المطلوب من الأساس الا يتضامن العرب وأن تنتهي قضية فلسطين وفق رؤيتهم،والذي لا يرضى عليه أن يواجه.ولذلك صمدنا في سوريا لأننا كنا نعرف أن المطلوب هو رأس البلد،ولأن قضية فلسطين هي قضيتنا.وفي كل الاجتماعات العربية كان النقاش الجدي يتمحور فقط حول فلسطين ،وكان ثمة من يطالبنا بوقف المزايدات وترك هذه القضية لأهلها.وكنا نقول لهم "دعونا نتضامن مع شعب فلسطين كما نتضامن مع شعب جنوب افريقيا .دعونا نتضامن معهم كبشر وليسوا كعرب ومسلمين"…وسوريا التي كانت تقول مثل هذا الكلام كان يجب أن تعاقب.لم يستطيعوا فرض عقوبات علينا في الأمم المتحدة.نحن لنا أصدقاء في مجلس الأمن.الروس استخدموا الفيتو لصالحنا 13 مرة والصين 7 مرات.لكن العقوبات والقرارات نفذتها الدول العربية للأسف.
تسأل عن موقف بعض الدول العربية التي ترغب بإعادة العلاقات مع سوريا؟
يروي المسؤول السوري نماذج من المحاولات التي جرت فيقول:حكايتنا مع تونس مثلا نموذج من هذه النماذج.جرت اتصالات أيام رئاسة المرزوقي.نحن آثرنا عدم إعادة العلاقات الا على أساس تمثيل كامل وفتح السفارات.فتح التونسيون في البداية مكتبا تمثيليا في دمشق،لكنهم لم يتعاملوا مع الخارجية السورية بشكل مباشر،بل راحوا يتعاطون ويتواصلون مع التونسيين الذين جاؤوا لمحاربة سوريا،ولم نستطع نحن أن نفتح سفارتنا في تونس،وتوقفت الأمور عند هذا الحد . المضحك أن حليفتنا إيران تتوسط أحيانا بيننا وبين بعض الدول العربية.
يضيف:مصر نموذج آخر.جرت اتصالات بالواسطة مع مصر.اتفقنا على اجتماع بين الطرفين .ذهب نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد الى نيويورك لعقد هذا الاجتماع.أرسل المصريون موظفا في الخارجية هو مدير الدائرة القانونية ،فلمسنا أنهم ليسوا جديين في هذا المجال،وكان الاجتماع يتيما ولم يقدم أو يؤخر.الآن ليس هنالك أي علاقة مع مصر.لقد غيروا كل شيء بعد إزاحة مرسي عن الرئاسة ،إلا العلاقة مع سوريا لم تتغير.قلنا لهم أن ما يجمعنا كثير ،فتعالوا لنتفاهم.لا نريدكم أن تكونوا تابعين .ولكن من دون جدوى . على مصر أن تؤمن أولا بدورها ،وألا تكون تابعا.
يستطرد المسؤول السوري:الامارات نموذج ثالث.جاء الاماراتيون وفتحوا سفارتهم في دمشق ،وتوسمنا خيرا بإعادة العلاقات الطبيعية.وفجأة توقف كل شيء.
في الخلاصة ،يضيف المسؤول السوري:المبادئ التي أرساها وزير الخارجية الأميركية بومبيو خلال زيارته الأخيرة ،ما تزال الدول العربية تعمل بها ،وهي:
-لا لعودة سوريا الى الجامعة العربية .
-لا لعودة السفارات والعلاقات مع سوريا.
-لا لعودة اللاجئين السوريين.
-لا لمساعدة سوريا على إعادة الاعمار.
كل هذه الأمور رهن بالقرار الأميركي.
وماذا بالنسبة للحلفاء؟
يجيب: علاقاتنا مع روسيا وإيران متينة ،لكن روسيا تتصرف انطلاقا من مصالحها الكونية ،وكذلك ايران.لذلك نختلف معهم أحيانا على بعض الأمور فنتناقش ونصل الى نتيجة.روسيا مستعجلة لمعالجة الوضع السوري لأنها غير مطمئنة الى مستقبل الأوضاع في المنطقة.والرئيس بوتين يبحث موضوع سوريا خلال جولته الخليجية الحالية في السعودية والامارات .نحن ننتظر النتائج،لكننا في الوقت نفسه نعرف التوازنات القائمة.فهل السعودية قادرة أن تتحلل من الموقف الأميركي؟..هذا هو السؤال.
تطرح كصحافي على المسؤولين السوريين أهمية الحوار الداخلي وعودة الصحافيين والمثقفين المبعدين الى البلاد ،فيرد هؤلاء:"أهلا وسهلا بهم..نحن نضمن عودة الجميع ،ومراسيم العفو صدرت،ولكن اذا عاد هؤلاء تنقطع رواتبهم في الخارج .المعارض المعروف حسن عبد العظيم موجود في سوريا ويقول ما يشاء وينتقد من يشاء على الشاشات ،ونحن نتحاور معه.نحن نتعهد بضمان عودة أي صحافي الى سوريا ،وليتكلم ما يشاء .الكثيرون يظهرون اليوم على شاشة التلفزيون السوري وينتقدون النظام .صحيح أننا لم نصل في حرية التعبير السياسي الى ما يفترض أن يكون ،ولكن نحن نحلم بالوصول الى ذلك.نحن رغم الحرب عززنا التعبير السياسي .لدينا اليوم 12 حزبا معارضا.
في الخلاصة ،ضيوف سوريا يلمسون هذه الأيام خطابا جديدا لدى المسؤولين السوريين ،وهو نابع من الثقة بالنفس وبأن مستقبل سوريا نحو الأفضل على الرغم من الأزمة الاقتصادية اتي يعانيها البلد جراء نتائج الحرب.فقبل الحرب كان معدل النمو في سوريا 11 بالمائة ،وهو من أعلى المعدلات ،ولم تكن سورية مديونة بقرش واحد،وكانت تنتج 500 ألف برميل من النفط يوميا ،جرى تخفيضها الى 300 ألف كانت تصدر منها مائة ألف وتستهلك الباقي.وخلال الحرب باتت سوريا تشتري نفطها ومحروقاتها من المهربين .وعلى الرغم من الحرب لم تنقطع رواتب الموظفين في كل سوريا ،حتى في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة .اليوم سوريا تخرج من تحت الرماد ،ومن تحت هذا الرماد باتت التغذية الكهربائية في دمشق ومعظم المناطق السورية 24 ساعة يوميا في أقل من سنة . هذا نموذج واحد من نماذج قيامة البلد..فهل من عبرة لمن يعتبر؟