|
هدى سويد – إيطاليا – خاص الحوار نيوز
الموقف السياسي الرسمي الذي تناولته أمس ، يعكس إجمالا رؤية الحكومة الحالية التي ترأسها جورجيا ميلوني زعيمة الحزب اليميني “أخوة إيطاليا” .
هذه الرئاسة الحكومية لميلوني لم تكن لتتحقق لولا استناد حزبها على مشاركة ودعم كل من الحزبين اليمينيين، “إيطاليا القوية” التي عمل على تأسيسها الراحل برلسكوني ،و”رابطة الشمال”التي يرأسها ماتيو سالفيني .
الزواج السياسي الاستراتيجي هذا إنما حصل بسبب تشرذم اليسار(أكثرمن حزب لا تشكل نسبة كل منهم الكثير، ما عدا الحزب الديموقراطي الذي ترأسه أيللي شلين). ومع هذه الحكومة تنامى ما يُسمى بعودة الفاشية والعنصرية ،وإن لم تختف منذ القضاء على موسوليني.و بشكل جديد أو بآخر، ربما لم تتخذ هويتها الثابتة بعد وإن اتخذ المنتمون إليها مطبقين بعض الوسائل القديمة التي اعتمدت أثناء حكم موسوليني ك”السلام الروماني”الذي اعتمده وحزبه ،ولم تعتمده أبدا روما القديمة وإن حصل فلهدف مغايرواكب ألعابها المسرحية، وهو عبارة كما هو معروف عن رفع اليد اليمنى ومدها الى الامام بضم الأصابع، إضافة إلى ارتداء الزي الأسود .
هؤلاء إمّا يبرزون في المناسبات المطلبية أو في الخفاء، يقومون بأداء طقوسهم الخاصة كما التدرب على السلاح . وتمكن أحد المراسلين الصحافيين من تصويرهم وتم عرض الفيلم على الشاشة الصغيرة .
الإتحاد الأوروبي رأى أن شعار حزب ميلوني ـ دون تسميته ـ اتخذ الرمز الفاشي ، كما تساءل كل الناطقين من أحزاب وإعلام معارض مع بروز موجة الفاشية موجهين نقدهم ضد رئيسة الحكومة طالبين منها ،إن لم يكن حزبها فاشيا كما تردد بخجل،الاعتراف بأنها ضد الفاشية. فالترميم غير كاف، لكن ذلك لم يحصل؛
في هذا الشأن عبّر ماتيو سالفيني حينها، أي منذ أشهر قليلة ، أن سبب بروز الفاشية يعود إلى الحكومات السابقة، أي اليسارية التي لم تكن حاسمة في الحد من لجوء مئات آلاف اللاجئين إلى إيطاليا سواء من الجنسيات العربية أو غيرها
التطرق إلى ما تقدم إنما يهدف إلى توضيح الصورة في دعم غزة. فعلاقة الحكومة والدولة الإيطالية بإسرائيل متينة، ويغلب التضامن معها سياسيا واقتصاديا .. وان تعرض رئيس حكومتها نتنياهو للانتقاد من قبل وزير الخارجية الإيطالي حتى دون تسميته أحيانا خشية تخريب العلاقات .
يبلغ عدد اليهود المسجلين في إيطاليا حسب الإحصاء نحو ثلاثين ألف نسمة يتواجدون فيالكثير من المرافق السياسية، الثقافية والإقتصادية ، والعلاقة مع اسرائيل تاريخية، وتشعر إيطاليا بالذنب كغيرها من الدول الأوروبية بعد المحرقة اليهودية التي تعرضها الشاشة الصغيرة لغاية اليوم بجميع الأشكال، أفلاما ووثائق ومقابلات ، وإن لوحظ أنها خفت خلال حرب غزة لتحتل أخبار غزة النشرات الأخبارية التي تميزت بعرض آثار وما تخلفه الحرب في غزة من قتلى ودمار، وهذا لا يعني أن إيطاليا تخلو من سياسييها وإعلامييها الذين ناصروا غزة على حساب إسرائيل، كما لا يعني غياب الحكومة الإيطالية عن دورها الإنساني، وإن اقتصرالدور الرسمي على “التأثير الناعم” كما أشرت سابقا ، ولا بد من القول صدقا أن إيطاليا هي في مقدمة الدول في شأن مساعدة الدول المنكوبة بسبب الحرب أو ما تخلفه الطبيعة من كوارث كالفيضانات والزلازل .
وهكذا سارعت إيطاليا عبر متطوعيها منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة إلى مد يد المساعدة الغذائية والطبية بأطنان عبرالعديد من الشاحنات ومعالجة المصابين على متن باخرة ومستشفى “البركان” العسكرية الطبية. كما نقلت الجرحى من الأطفال وصغار السن إلى مستشفياتها في إيطاليا، وإن لاقى متطوعوها صعوبات جمة شأن متطوعين آخرين وصحافيين ومصورين فلسطينين أو من من جنسيات أخرى، ممن لاقوا حتفهم.
المتطوعون الإيطاليون عاشوا أياما غزاوية تماما كما الغزاويين ! في هذا الصدد كان لدور المتطوعين الدور البارز في تغيير الصورة القائمة من قبل، لما نقلوه من مشاهدات ويوميات عن هذه الحرب والحصار. ولعل أبرز العائدين من غزة هو جينّارو جيودتي الذي عمل في أكثر من بلد، منها لبنان وفلسطين ،وهو صاحب التجربة المديدة في هذا المجال الإنساني ، والشاهد عما كان يحصل.
قال جيودتي:كانت مهمتي لوجستية لتسهيل دخول المساعدات من أدوية وغذاء، وكان مرور المتطوعين والمساعدات يلقى صعوبة كبيرة ، لأن السماح بمرورهما متعلق بإسرائيل، والأوامر العسكرية لوزارة الدفاع . كنا نقضي يوما بأكمله أو أكثر كي نتمكن من الدخول ، كان يتم فحص كل المعدات وفحص كل المتطوعين وما يتزودون به ، لائحة بالممنوعات ، والالتزام بها كما ونوعا . الحرب التي مارسها ويمارسها الإسرائيليون هي نفسية ، يعملون على تأخير دخول المساعدات أشهرا أحيانا ،فتغدو غير صالحة مع مرور الوقت ، وكان من صالحهم ذلك لأنهم يدخلون بضائعم ويستفيدون من بيعها ومن الوضع، حيث وصل سعر علية السجائر إلى ثلاثين يورو ! وناهيك عن أسلحة الدمار من طائرات ومدافع ، كانت تعتمد طوال الليل المسيرات دون طيار واختراق جدار الصوت ما يخلق توترا نفسيا لدى السكان. ونحن أيضا لم نكن نستطيع النوم شأن أهل القطاع ، والناس محاصرة لا تملك بعد دمار منازلها سوى فراش تنقله من مكان لآخر . أما المقعدون والمصابون فالحال كارثية إنسانيا .”
هذا على مستوى المتطوعين الذين ينقلون تجربتهم وتعيشها إيطاليا . إلى جانب ذلك لا ننسى التظاهرات وأن الشارع انتفض منذ بداية الحرب وتغيرت لغته . تظاهرات شارك فيها إيطاليون من جميع الأعمار ، اليسار والاتحاد العمالي ، وفي مدن لم تكن متوقعة كميلانو مثلا ، طلاب جامعات أسوة بمدن عالمية ناصروا في تظاهراتهم المقيمين من العرب والفلسطينيين.وحسب الإحصاء لا يتعدى الوجود الفلسطيني أكثر من 1362 نسمة ، وأن الشارع تغيرت لغته معارضا الحرب ومطالبا بعودة الأرض المسلوبة ، واتسعت رقعة الشاجبين لإسرائيل وأدواتها العسكرية .وهناك أشخاص لم تكن تربطني بهم صداقة لكنهم يعرفون بأصولي العربية ، باتوا يسألونني إن التقيت بهم صدفة : كيف هم أهلك في لبنان وغزة ؟ ألم يتعلم الإسرائيلي من تجربته ؟