هزيمة المقاومة استعمار جديد للمنطقة (نسيب حطيط)
كتب د.نسيب حطيط – الحوار نيوز
يتمايز اغتيال “السيد_الشهيد” عن كل الاغتيالات التي تعرّضت لها إيران ، سواء علماءها النوويين او قياداتها العسكرية وفي مقدمتهم الجنرال “سليماني”. فإغتيال “السيد ” ،إغتيال” لممثل المرشد الأعلى” خارج إيران، والذي زادت مسؤولياته وتمثيله للمرشد بعد اغتيال الشهيد سليماني الذي كان يقوم بهذا العبء على المستويين السياسي والعسكري، واستطاعت اميركا قطع يدي المرشد “سليماني والسيد”..ولن تتأخر عن اغتيال المرشد عندما تستطيع !
ان الإغتيال الأميركي_الإسرائيلي “للسيد_الشهيد” ليس إغتيالا لأمين عام حزب، وانما اغتيال لمشروع تصدير الثورة التي اطلقها الامام الخميني بعدانتصار الثورة، وان الحرب على المقاومة في لبنان لا تتعلق فقط بقوتها العسكرية ودورها على مستوى حركات التحرر، بل على مستوى اغتيال الفكر الديني التحرري المقاوم للمشروع الاميركي الاسرائيلي و”الديانة الإبراهيمية” في الوقت الذي كان الاسلام الاميركي المهجّن عبر الحركات التكفيرية او دين السلطة وعلمائها يمثل كاتم الصوت والقيد للعقول والأيدي في مواجهة الأنظمة الظالمة او الغزو او الاحتلال!
ان اغتيال “السيد” اضطر إيران، للتدخل الميداني المباشر والذي يمكن ان يتطور، بالتلازم مع التفاوض المباشر والذي بدأه الرئيس “بزشكيان” في قطر بلقاءاته الخليجية مع امير قطر ووزير الخارجية السعودية وحركه “حماس”. وقد اختار قطر “صندوق بريد” بين ايران والعدو الإسرائيلي وأميركا، ولفتح النوافذ المغلقة مع دول الخليج تحسبا لتطور الحرب.
ان المفاوضات الحقيقية والمفصلية تدور في “قطر”، واضطرّت إيران للتفاوض المباشر حول لبنان وغزة ،لأول مرة ،بعدما كان “السيد الشهيد” يقوم بهذه المهمة ويعفيها من متطلباتها، بالتلازم مع تجهيز قوتها العسكرية، واولويتها الآن كيفية حفظ المقاومة في لبنان، للصمود امام الهجوم الكبير والذي لن يتراجع الا بتحقيق أهدافه، وهو القضاء على المقاومة، ولا يمكن كبح جماحه بالدبلوماسية فقط، وانما بالرد الناري الشامل لمحور المقاومة!
إيران تفاوض وتهدّد وتقصف والمقاومة في لبنان تقاتل في الميدان ويتعرّض اهلها للإبادة الجماعية والتدمير العشوائي للقرى والمدن والنزوح والتشتت، في جغرافيا لبنان وسوريا والعراق حتى الان …
ان معركة لبنان، معركة مفصلية على مستوى الصراع بين محور المقاومة والمحور الأميركي، وعلى مستوى العقيدة والفكر الديني، كما كان الصراع بين اميركا والشيوعية، وبين اميركا والحركة القومية العربية ايام الرئيس عبد الناصر، فإذا سقطت المقاومة وانهزمت ،ستفتح الأبواب امام الاستباحة السياسية والعسكرية للمنطقة، وكذلك الاستباحة الفكرية والدينية لصالح “الديانة الإبراهيمية” وثقافتها وانحرافها الأخلاقي، ويجب التعامل مع هذه الحرب انها ليست حرب إعادة المستوطنين ،بل حرب إعادة استعمار هذه المنطقة والغاء استقلالها .
ان هذه الحرب حرب تأسيس” اسرائيل الكبرى” بالنسبة للتحالف الأميركي وحرب الدفاع عن الدين والامة بالنسبة للمحور المقاوم.
الحرب ستكون قاسية وطويلة ودموية ومتوحشة، والمشكلة انها لن تكون مع اميركا واسرائيل فقط ،بل مع “التحالف الاميركي العالمي” ، بمن فيهم اغلب العرب والمسلمين، وبطبيعة الحال اغلب اللبنانيين الذين سيكونون محايدين او حلفاء لهذا المشروع بما يستطيعون.
تختلف هذه الحرب عن اجتاح 78 واجتياح عام 82 وعن حرب تموز 2006 .انها حرب ليست لحماية امن اسرائيل من الصواريخ، وانما حرب لحماية اسرائيل وجودياً والتي تتعرض لأول مره لخطر حقيقي وتقاتل داخل الارض الفلسطينية وتُقصف عاصمتها وتُقاتل لسنة كاملة ويمكن ان تطول .
لابد من تغيير وسائل المواجهة ،بما يحفظ المقاومة المستدامة وعدم الاكتفاء بالاتكال على الميدان الذي يشكل العمود الفقري للمقاومة والصمود، لكن لابد من التحرك على المستوى القانوني والاعلامي والاجتماعي والاقتصادي ،لمعالجة النتائج الكارثية لهذه الحرب على مستوى النازحين الذين يمكن ان يكونوا خارج بيوتهم لأشهر، وحتى مع ضرورة الإنتباه للمؤامرات المخادعة والتهويل والتهديد ،لإفراغ الجنوب والتغيير الديموغرافي داخل لبنان!
ان هذا الحرب ،ستقرر مصير لبنان والمنطقة وبشكل خاص الوجود “الشيعي” في لبنان، سواء على المستوى الديموغرافي او على مستوى الشراكة السياسية في الحكم .
يمكننا الصمود ويمكننا الانتصار، بشرط عدم الانهزام النفسي والتصرف بعقلانية وحكمة وواقعية وفق قدراتنا ومسؤولياتنا وواجباتنا كجزء من أمة وليس وكلاء عنها ،بعيداً عن الشعارات والانفعالات ، فنحن نقاتل قوى عظمى بالمال والسلاح والتكنولوجيا.