بقلم د.جواد الهنداوي – خاص الوار نيوز
هذا ما يعكسه المشهد السياسي للمنطقة :صمت وصبر ايراني مقارنة بحراك سياسي و ميداني كبير لأمريكا و اسرائيل وحلفائهما او اصدقائهما في المنطقة .
صمت ايراني لا يعني امتناع ايران عن الرّدْ على ما قامت به اليونان ، من احتجاز لشحنة نفط ايرانية ، و لا يعني ايضاً امتناع ايران عن رفع كاميرات المراقبة لمواقع نووّية في ايران رّداً على تقرير ادانة ايران ، الذي اصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية . ولا يعني ايضاً قيام ايران بأغتيال ضابط في الموساد الاسرائيلي ، في اربيل ، ،بتاريخ ٢٠٢٢/٦/٩ ، بواسطة مسيّرة، وحسب وكالة فارس الايرانيّة ، وحسب مصادر عربية و غربية . ( انظر في ذلك مقالا للكاتب و الاعلامي السيد كمال خلف ، راي اليوم الالكترونية ، بتاريخ ٢٠٢٢/٦/١٥ ) .
تتعامل ايران مع احداث و مظاهر التصعيد والتهديد والوعيد في المنطقة ببرود ، ودون ضجيج اعلامي ، ودون حراك سياسي و دبلوماسي ،مقارنة مع ما يقوم به اطراف المحور الآخر المُعادي لايران ولسوريا وللبنان ، وفي قيادة هذا المحور أمريكا واسرائيل . كلاهما ( واقصد امريكا و اسرائيل ) ، تسعيان الى توريط آخرين في المنطقة . و زيارة الرئيس بايدن المتوقعة الى المنطقة ، وفي منتصف شهر تموز المقبل،تتعلّق ، كما قال الرئيس بايدن ،في تصريح له بتاريخ ٢٠٢٢/٦/١٤ ، وقبيل صعوده الى الطائرة الرئاسيّه ، بأمن اسرائيل . و اكّد ،رّداً على سؤال صحفي له ، عن هدف الزيارة ،قائلاً ، ان زيارته لا ترتبط بالحد من اسعار النفط ، و انما بالامن القومي الاسرائيلي ، و اضاف ” ان الامر يتعلق بقضايا اكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة ” .
أذاً هدف زيارة الرئيس بايدن هو الامن القومي الاسرائيلي وقضايا اكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة .فماهي تلك القضايا التي هي اكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة ؟
بالتأكيد القضايا التي يقصدها الرئيس بايدن لن تكْ حقوق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال والديمقراطية ، ولن تكْ ايقاف جرائم اسرائيل وارهابها في المنطقة ، ولن تكْ انهاء حرب اليمن ، و لن تكْ انهاء االاحتلال الامريكي لحقول النفط السوريّة ، ولن تكْ انهاء حصار لبنان و السماح لشركات تنقيب النفط والغاز العالمية في العمل في لبنان …
القضايا التي يقصدها الرئيس بايدن هي أمن اسرائيل وهيمنة إسرائيل في المنطقة ، ودعمها لممارسة جرائمها و التوسّع في انشاء المستوطنات . لا يكفي فقط أمن اسرائيل وانما ينبغي تأمين هيمنتها على المنطقة ،لتحل محل امريكا في العون والمساعدة لحلفاء او لاصدقاء امريكا والذين ، يواجهون ( حسب الطروحات الامريكية والصهيونية ) خطر وجودهم بسبب ايران .
سيلتقي الرئيس بايدن ،الامير محمد بن سلمان في الرياض ، وسيلتقي ،في اليوم الثاني ،قادة دول مجلس التعاون الخليجي ،ورؤساء عرب آخرين ،منهم ملك الاردن والرئيس السيسي ،ورئيس مجلس الوزراء العراقي . ولو كان رئيساً غير الرئيس ميشال عون في لبنان ،لكان مدعواً ايضاً الى اللقاء !
الشعار غير المعلن للقاء ، والمراد تمريره و البناء عليه مستقبلاً هو أنَّ الجميع ، وليس فقط اسرائيل تواجه خطرا وجوديا ، ومصدر هذا الخطر ” ايران ” . هذا ما يسعى اليه الرئيس بايدن ،عندما استخدم عبارة ” قضايا اخرى اكبر بكثير من الطاقة ” في تصريحه . يريد الرئيس بايدن ،خلال هذه القمّة المتوقعة في منتصف شهر تموز ، الاعلان عن مشترك آخر بين اسرائيل والدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية و سياسيّة واقتصاديّة او في الطريق الى هذه العلاقات مع اسرائيل ،هذا المشترك هو الخطر الوجودي !
يجيد الامريكان والبريطانيون صناعة التوريط مع العرب ، ونكث العهود ، لخـدمة اسرائيل ومصالحهم ، ولنا في تاريخ تحالف العرب مع الانكليز ،وفي اتفاقيات سايكس -بيكو شواهد على ذلك ، ولنا ايضاً في توريط نظام العراق البائد في حربه مع ايران وفي احتلال الكويت ، كذلك في توريط السلطة الفلسطينية باتفاقيات اوسلو و ما بعدها مع اسرائيل شواهد اخرى حاضرة بقوّة في تداعياتها الكارثيّة .
تبدو أيران غير مكترثة او قلقة بشأن التحركات العسكرية والسياسيّة لاعدائها و خصومها ، و اعتقد أنها تستبعد كلياً نشوب حرب في المنطقة ،تستهدفها وحلفاءها واصدقاءها . و لا أظّن اندلاعها ،والمنطقة ستستقبل الرئيس بايدن في منتصف الشهر القادم .
كما ستنتظر امريكا و اسرائيل و حلفائهما و اصدقائهما في المنطقة نتائج زيارة الرئيس بايدن ، وما يتمخّض عنها من نتائج سياسيّة وعسكريّة ، و ستتضافر جهودهم من اجل تكريس نتائج الزيارة ،والتي ستصب في تعزيز مصلحة اسرائيل، وتعزيز التعاون الاسرائيلي مع الصف العربي المطّبع .
أطمئنان ايران يعود ، كما اعتقد ، الى قناعتها بأنّ امريكا و بعض الدول الخليجية تدرك جيداً النتائج الكارثيّة التي ستحّل بهذه الدول وبإسرائيل ،عند نشوب الحرب . لا تمتلك ايران ذات القوة التدميرية التي تمتلكها امريكا ، ولكنها تمتلك مزيّة الجغرافيا وأمساك الارض ، والسيطرة على الميدان .
*سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .