هجرة الأثرياء من الضاحية الجنوبية :أسباب وتداعيات (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
شهدت الضاحية الجنوبية في الفترة الأخيرة ظاهرة تمثّلت في هجرة الكثير من الأثرياء منها ، وتعود أسباب هذه الهجرة إلى عوامل عدة ، أبرزها المخاوف الأمنية ، والخوف من تكرار تجربة الحرب مع العدو الاسرائيلي سواء في المدى القصير ، المتوسط ، او حتى الطويل الاجل ، ما دفع العديد من السكان ، خاصة الأثرياء، إلى التفكير في الانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا.
هذا النزوح أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد العقارات المعروضة للبيع فيها ، مع تقديم عروض بأسعار مغرية. فبعد اتفاق وقف إطلاق النار، سارع العديد من أصحاب المنازل إلى عرض بيوتهم للبيع بأسعار تنافسية، خوفًا من تجدد الحرب . من جهة أخرى ، أدى هذا النزوح إلى ارتفاع الطلب على العقارات في مناطق أكثر أمانًا، ما تسبب في ارتفاع أسعار الإيجارات فيها. حيث ارتفعت أسعار إيجارات الشقق الصغيرة في هذه المناطق من 300-400 دولار إلى 500-600 دولار أو أكثر، نتيجة زيادة الطلب من قبل الباحثين عن الأمان.
وأشارت تقارير نشرتها “هنا لبنان” في 3 ديسمبر 2024 إلى أن نسبة عرض الشقق للبيع في الضاحية الجنوبية ارتفعت بنحو 30% بعد اتفاق وقف إطلاق النار. هذا الارتفاع في العرض أدى إلى انخفاض أسعار الشقق السكنية بنسب تتراوح بين 30% و50%، حيث سعى العديد من السكان إلى بيع منازلهم بأسعار تنافسية خوفًا من تجدد الصراعات . ان أخطر ما في هذا الامر هو ان معظم من عرض عقاره للبيع هم من الطبقة المتوسطة والغنية .
ان هذا الامر أدى إلى زيادة العرض في سوق العقارات بالضاحية الجنوبية، ما تسبب في انخفاض أسعار البيع. في المقابل شهدت المناطق الاخرى بعض الانخفاض لكن بنسب اقل .
بالعودة الى الحروب المدمرة التي مرت بها الضاحية، فقد كان ابرزها الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 والتي دمرت الكثير من البنية التحتية، ثم حرب تموز 1996 (عملية عناقيد الغضب)، وحرب 2006، حيث تعرضت الضاحية لقصف مكثف، ما أدى إلى تدمير أحياء كاملة مثل حارة حريك والرويس. ومع ذلك، تمت إعادة إعمار المنطقة بسرعة بفضل التمويل الخارجي ، خاصة من دولة إيران ، ثم أتت حرب الاسناد في عام 2024 وهي واحدة من أعنف المواجهات بين المقاومة والعدو الاسرائيلي، حيث تعرضت المنطقة لقصف جوي مكثف استهدف مقار قيادية وأحياء سكنية، ما أدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية والمرافق الخدماتية ومباني كبيرة .
مقارنة بحرب 2006 ، كان القصف في 2024 أكثر تركيزًا ، لكن تأثيره الاقتصادي والاجتماعي كان أشد بسبب الانهيار المالي في لبنان ، وعدم القدرة على تلبية حاجات المتضررين بالسرعة اللازمة . ووفقًا للتقديرات ، تعرضت مناطق مثل حارة حريك وبئر العبد والرويس لتدمير كبير، ما دفع العديد من السكان إلى الهجرة الداخلية نحو البقاع والجنوب ، أو الهجرة الخارجية نحو أفريقيا والخليج وأوروبا.
اليوم تواجه الضاحية الجنوبية تحديات كثيرة خاصة مع تراجع التمويل الخارجي وانهيار الاقتصاد اللبناني ، حيث يتطلب الأمر إعادة تخطيط عمراني حديث ، وخلق فرص عمل حقيقية ، وإدخال مؤسسات الدولة إلى المنطقة ، ويمكن القول إن هجرة الأثرياء من الضاحية الجنوبية تعكس حالة من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي ، ما يمكن ان يؤدي إلى تغييرات جذرية في سوق العقارات والتركيبة السكانية للمنطقة.
من الناحية الاجتماعية فإن لهجرة الأثرياء من الضاحية الجنوبية لبيروت تأثيرات متعددة ، وتؤثر على التركيبة السكانية والحياة اليومية للمنطقة ومن أبرز هذه التداعيات:
– فقدان الطبقة المتوسطة والعليا: هجرة الأثرياء وأصحاب الكفاءات أدت إلى تغيير ديموغرافي كبير، حيث يمكن ان تصبح الضاحية الجنوبية أكثر فقرًا وأقل تنوعًا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
– هجرة العائلات الثرية والمتعلمة يمكن ان تؤدي إلى تفكك الشبكات الاجتماعية التقليدية، ما يمكن ان يؤثر على التماسك المجتمعي.
– سيشعر من تبقى من الفقراء بالعزلة بسبب فقدان الدعم الاجتماعي والاقتصادي الذي كانت توفره الطبقات الأكثر ثراءً.
– مع هجرة الأثرياء، ستتراجع القدرة المالية للأسر على تحمل تكاليف التعليم الخاص والرعاية الصحية، ما سيزيد الضغط على الخدمات العامة المحدودة أصلاً.
– سيؤدي نقص الاستثمارات المحلية إلى تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
– مع رحيل الأثرياء ستتراجع فرص العمل في القطاعات التي كانت تعتمد على استثماراتهم، مما سيزيد من معدلات البطالة بين السكان المتبقين.
– ان تراجع القوة الشرائية للمجتمع سيؤدي إلى انكماش الأسواق المحلية، مما سيؤثر على التجار الصغار والشركات المحلية.
– مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يمكن أن تشهد المنطقة زيادة في معدلات الجريمة والانحراف الاجتماعي.
– العديد من السكان سيضطرون إلى الهجرة إلى مناطق أخرى داخل لبنان بحثًا عن فرص أفضل.
ان عدم متابعة مخاطر هذه الهجرة وما يمكن ان تؤدي اليه هي جريمة أخرى تضاف الى جريمة العدو الاسرائيلي والتي قام بها خلال عدوانه على لبنان وخاصة على الجنوب ، البقاع ، والضاحية الجنوبية.. فهل سيتدارك المسؤولون مخاطرها ؟