إعلامثقافة

هاني نقشبندي :صديقي الذي رحل على عجل !(عمار مروة)

 

 بقلم عمّار مروة – الحوار نيوز

كان يفترض ان نلتقي مؤخراً عندما جاء الى بروكسل في زيارة قصيره ما قبل الاخيره، ليتصل بخجل معتذراً لكثرة مشاغله الاعلاميه والعائليه المفاجئه .

 

برحيله البارحه بذبحه قلبيه تركني هاني صامتاً افكر بسؤال الوجود والعدم وهو يلسعنا بالفقدان .

تعود بي الذاكره الى ما قبل داء كورونا بفترة سنه او اكثر، حيث تعرفت عليه بفضل صديقي المخرج والموسيقي الفنان مروان الرحباني  الذي اتصل بي هاتفياً يومها ليقول : يا عمار.. هاني نقشبندي فنان رائع اعطيته عنوانك وهاتفك ، سيأتي ليحيا عندكم في بروكسل مع عائلته، واحب ان تتعرف عليه لانك ستحبه . لم يقل شيئا غير هذا، الا ما يُعتبر امراً خاصا.. وضحكنا .

بعدها بأيام اتصلنا ببعضنا انا وهاني والتقينا كيفما اتفق . لم استغرب ان الرحباني مروان كعادته كان على حق ،لاننا انا وهاني شعرنا كأننا كنا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد قبل اللقاء  .

 

بعد جلستين عرفت انه شخص استثنائي واسع الافق والثقافه متعدد المزايا، اديب روائي مسرحي ، فاصبحت صداقتنا اعمق وامتن . عرفت يومها انني سأتعلم منه الكثير .

 

لا اريد ان ادخل في خصوصيات الصداقه فهي شيئ مقدس وخاص .

 

باختصار رحيله المفاحئ هذا رماني بعدة اسئله تلح في خاطري .. اهمها لماذا التقينا وما هي الحكمه من عمر صداقتنا القصيره نسبياً ؟!.

لماذا شعرنا كأننا من ذوي قربى ،ونملك اراء متشابهه في كل الامور الجوهريه ؟!.

 

 اخر لقاء طويل لي معه زارني خلاله هاني في منزلي بضواحي “انتورب” وكانت عائلتي مسافره .

خرجنا على رسلنا وفتحنا قلوبنا من دون حدود . كنا نضحك غالباً على كل ما خبأناه عن بعضنا في بدايه تعارفنا  . كلما دخلنا مقهى او مطعما كان الناس يلتمون على ضحكاتنا فيقهقهون .

وقتها بالذات اكتشفت اني اعرف هاني جيداً ،وتعلمت منه في يوم او يومين ما يلزم المرء سنوات .

خبرته الاعلاميه قدمها لي بساعتين !. خبرتنا الفكريه والثقافيه تبادلناها بكرم طائي قلما يحدث .

 

اكتشفنا اننا نملك نفس الاراء عن نفس الاشخاص الذين عرفناهم .

حللنا شخصياتهم ،وتعجب كل منا كيف حصل على معلوماته الخاصه عنهم . قال لي “يا عفريت كيف علمت بكل ما تعرف”؟ ..قلت له ربما كما عرفته انت .  

من يلتقي هاني من دون معرف’ جنسيته السعوديه سيعتقد حتماً انه لبناني .فقد كان حبه للبنان  استثنائياً .

 عرفت لاحقاً انه لولا الحرب لكان يحب ان يعيش في لبنان بشكل دائم ،وانه يعرف مناطق لبنان وادباءه ومثقفيه وزواياه الجغرافيه اكثر مني . وكاد يجن حين اخبرته اني احب وطني لبنان ،ولكني لا احب العيش فيه اكثر من شهر على الأكثر، وافضل العيش في بلجيكا واعتبرها وطني الثاني، وعندما اغادرها اشعر بحنين للعوده اليها عكس لبنان الذي ما ان يكتمل الشهر حتى استعجل مغادرتي له  .

استعظم هاني الامر.. وعندما شرحت الاسباب كان متفهماً وقال: “لذلك انت اهتممت ببيتك هذا وجعلته يبدو كمكان لبناني مميز” .

عندما  جال في منزلي العائلي  غرفة غرفة وجلسنا في الحديقه اعرب عن اعجابه قائلاً :كيف فعلت هذا ؟ المنزل صغير ولكنه بسعة وطن ،والحديقة اصغر، ولكنك جعلتها تتسع بأناقة وحرفيّة لسبع شجرات تين متنوعه ومثمره ، ولشجرتي اكيدنيا وشجرة خرمه وشجيرتي عنّاب .. انت فنان حقيقي وانا فخور بالتعرف عليك” ..

ضحكت وقلت له :إبق معي يومين وستسحب كلامك لتهرب نادماً !.

لهجته بدت لي دائماً لبنانيه بلا تصنّع ، وأحب اصدقائه اليه كانوا من اللبنانيين ،وكنت اعرف بعضهم واشاركه نفس الاحاسيس تجاههم .

 

سافر هاني الى دبي بعد ان استلم وظيفته الاعلاميه الجديده، وكان سعيدا بها، وداوم على ارسال حلقات برنامجه التلفزيوني الجديد لي، ولم نختلف على اي منها الا على الحلقه التي تناول بها شخصية الفيلسوف العظيم ابن سينا . كان هاني يعلم مدى حبي وتعلقي بهذا النابغه الذي لم يأت التاريخ بمثله .

اتصلت به محاولاً شرح اسفي فعاجلني بالسبب قائلاً: كيف يمكن اعطاء عالم عبقري وعظيم بحجم وانجازات صديقك ابن سينا  بحلقه من ١٥ دقيقه ..

 ضحكت وقلت له :” ولاو يا هاني !.. الا تعرف ان ابن سينا من بيت مروه ؟ كيف تعاملت معه بهذه الاختزال والتقزيم.. انا مش مسامحك منوب منوب “. تعمدت ان الفظ عبارة “منوب” باللهجه الجنوبيه .. فانفجر ضاحكاً وطلب السماح .

 

قرات بعض رواياته وكتاباته واعجبتني منها رواية “قصة حلم” .احببت ان اكرمه فكتبت عنها مقالاً نقدياً نشرته الصفحه الثقافيه لجريدة الاخبار اللبنانيه ،فتأثر كثيراً وقال لي ما لا اريد كشفه حفاظاً على علاقاته ببقية النقاد الذين تناولوا رواياته .

لم يكن يحب المديح ،ولكنه لطالما ألمح باشارات الى ضرورة استمراري في الكتابه الصحافية .. وعندما اعلمته ان الفنان نصير شمّا يسعى بكل ثقله كي اراسل احدى اهم الصحف الخليجيه بمقالات فنيه دائمه ، فرح لي من كل قلبه، رغم ان كورونا بددت رغبة نصير وفرصتي فوعدني ان يسعى ليتابعها لاحقاً  .

 

في احدى المرات اختلفنا في الرأي حول مقال كتبته عن اعلامي اعتبرته انا سبب انهيار الفن في لبنان والعالم العربي .. قال لي: لقد كنت قاسياً عليه ..لو صبرت شهرا على وفاته كان افضل”..

 ولكني عندما شرحت له رايي اقتنع قائلاً :” في الفن يا عمار انت ما بينمزح معك منوب منوب “.. وتعمد قولها بلهجه جنوبيه وضحكنا .

ما زلت ابحث منذ البارحه عن الحكمه من لقائنا وعن اشياء اخرى مع سؤال اخر :ماذا لو كنا عرفنا بعضنا قبل ذلك بكثير؟ ؟ .

وصلني اخر ما كتبه في X ولم اتعجب لانه جاء  في اليوم الوطني السعودي الذي صدف قبل رحيله فكتب التالي ويا لعجبي  :

” اكثر ما جاءني من تهنئه باليوم الوطني السعودي كانت من غير سعوديين ، هم مقيمون في البلد منذ عقود . ما يعني ان المُواطَنه الحقيقيه هي في الحب والانتماء لا في الهويه “.

عند سماع خبر رحيله دخلت الى صفحته على الفايسبوك فهالني مقدار المحبه التي كان يخبئها لي في قلبه، لانه ترك كل بوستاتي التي كنت اضمنها ما يُعرف بالتاغ Tag له ولغيره، وتعجبت لماذا لم يرفع التاغ عن كل بوستاتي كما يفعل معظم الاصدقاء !!!. ترك بوستاتي  باختياره بكل طيب خاطر وعن سابق تصور وتصميم، وانا لم اكن اعلم فدمعت عيني من شدة التأثر ،لأني شعرت ان صفحته مثل قلبه المفتوح لمن بادله صفاء المحبه والعطاء . سامحني يا هاني لاني لم انتبه لهذا الامر الا بعد رحيلك !.

فلترقد روحك الابيه الطاهره بسلام وراحة ابديه اتمناها لكل من احب .

 

صديقك المحب : عمار مروه

 

نبذة عن حياته

هاني إبراهيم نقشبندي، إعلامي وكاتب سعودي، ولد في المدينة المنورة عام 1963، وهو خريج جامعة الملك عبد العزيز في جدة في تخصص علاقات دولية.

مارس هاني منذ عام 1984 الإعلام، وقد عمل في صحف السعودية وترأس تحرير مجلات «سيدتي» و«المجلة»، اللتين صدرتا باللغة العربية في لندن، كما قدم البرنامج التلفزيوني «حوار مع هاني» لقناة تلفزيون دبي.

وقد صدرت له في عام 2007 في بيروت الرواية القصيرة «اختلاس». وتمكنت هذه الرواية خلال فترة وجيزة وبالرغم من منع نشرها من بعض الدول العربية من إعادة الطبع باللغة العربية ست مرات، وقد ترجمت إلى اللغة الروسية.

 

المؤلفات

  • رواية «اختلاس» صدرت عام 2007.
  • رواية «سلام» صدرت عام 2009.
  • رواية «ليلة واحدة في دبي» صدرت عام 2011.
  • رواية «نصف مواطن محترم» 2013.
  • رواية «طبطاب الجنة» 2015.
  • كتاب «يهود تحت المجهر» عام 1986.
  • كتاب «لغز السعادة» عام 1990.
  • رواية «الخطيب» صدرت عام 2017.[6]
  • رواية «قصة حلم».[7] وقد حولت هذه الرواية إلى مسلسل عنوانه «صانع الأحلام»

 الوفاة[عدل]

توفي يوم الأحد 24 سبتمبر 2023م9 ربيع الأول 1445هـ.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى