كتب واصف عواضة:
هل سأل أحد نفسه لماذا يتعطل تشكيل الحكومة اللبنانية منذ أكثر من خمسة أشهر،قبل أن يحمّل كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كل هذا اللغط في الموضوع الحكومي؟
وهل التعطيل ناجم عن عجز المؤلِّفين عن إيجاد 18 أو 20 إختصاصيا لتعيينهم وزراء في هذه الحكومة ،أم أنه نزاع على الوزارات والحصص وسبل الإختيار في هذه الحكومة؟
وهل أن هذا النزاع قائم بين اختصاصيين، أم بين سياسيين أصيلين على هذه الحصص والمكاسب والاختيارات الوزارية؟
كل ما قاله “السيد” أن واجهوا الأمور بوجوه مكشوفة.فالاختصاصيون الذين يختارهم السياسيون وقادة الأحزاب، هم بالضرورة سياسيون متسترون ملحقون بالقوى السياسية،ومن يرى غير ذلك فهو مجاف للحقيقة في زمن أكثر ما يحتاج اليه البلد الى الصراحة والوضوح بعد أن سقط الهيكل،أو يكاد، على رؤوس الجميع.
لقد تحمل السيد نصر الله طويلا أعباء التورية في تسمية الأمور بأسمائها كما فعل في إطلالته الأخيرة يوم الخميس ،فكان صريحا وواضحا ومحذرا ومنذرا في آن معا،لكن الواضح أن ردود الفعل كانت جاهزة ،وانخرطت فيها معظم وسائل الإعلام ،فاستثمرت كلامه بشكل سلبي من دون النظر الى الإيجابيات مطلقا ،وهو ما يفسر التخبط القائم في البلد تجاه كل القضايا المطروحة.
ماذا قال السيد غير ما يقوله الناس في الشارع ،من أن حكومة الاختصاصيين مغامرة غير مضمونة النتائج ؟
أولا هناك التباس كبير في فهم تعبير “الاختصاصيين” ،إذ ثمة فارق كبير بين الاختصاصي والمستقل.والحكومة التي يجري البحث فيها لن تكون مستقلة عندما يكون رئيسها واحدا من المرجعيات السياسية ،ووزراؤها منتقون من قبل هذه المرجعيات ،تحت بدعة الاختصاص،كأن يكون وزير الصحة طبيبا ،ووزير الطاقة مهندس كهرباء ،ووزير الداخلية ضابطا في قوى الأمن ،ووزير الدفاع عسكريا ،ووزير العدل قاضيا ،ووزيرا المالية خبيرا ماليا ..الى آخر المنظومة.وليس سرا أن الأحزاب السياسية تزخر بمثل هذه الكفاءات ،ملتزمين وأنصارا ومؤيدين.
ولعل تجربة حكومة حسان دياب وغيرها أكبر مثال على ذلك :فهل أن غازي وزني وحمد حسن ومحمد فهمي وريمون غجر وميشال نجار ورمزي مشرفية وماري كلود نجم ولميا يمين وغيرهم ،إلا اختصاصيين غير حزبيين،ومع ذلك لم يقتنع أحد بأنهم مستقلون، باعتبار أن اختيارهم تم على أيدي المرجعيات السياسية؟ فإلى متى تستمر إدارة الحكومات بالوكلاء الذين يختبئ الأصيلون في خطوطهم الخلفية؟
بهذه الروحية تحدث السيد نصر الله .ولطالما أن الطبقة السياسية هي الرابضة على سدة السلطة ،فلتتحمل المسؤولية مباشرة ومن دون مواربة.ولطالما قلنا ،ومنذ زمن ،أن حكومة مستقلة في ظل مجلس نيابي تشكل الطبقة السياسية المشكو منها 95 بالمائة منه،هي معادلة فيها الكثير من الوهم،والذي لا يصدق ذلك فليراجع تجربة حسان دياب الشخصية في هذا المجال.
في كل الأنظمة البرلمانية التي يُفترض أننا نشبهها ،ثمة مسلّمة لا يختلف عليها اثنان ،وهي أن الأكثرية التي تنتجها الانتخابات النيابية تشكل الحكومة المخولة إدارة الدولة ،فلماذا لا يمتثل لبنان لهذه المسلّمة ،بدل التخبط في مبادرة من خارج الحدود لم تكتب ولن تكتب لها الحياة لأسباب عدة ،داخلية وخارجية.ومرة أخرى نقول بالفم الملآن :واهم من يعتقد بأنه مسموح لدور فرنسي في لبنان،وأن التلطي وراء هذه المبادرة لن يصل بنا الى أي مكان.
بقي كلام لا بد منه ربما أحجم “السيد” عن الجهر به:
في الأنظمة البرلمانية التي ندّعي أننا على ديدنها،عندما يعجز القوم عن تشكيل حكومة ،وعندما تصبح الطبقة السياسية موضع شك لدى الناس ،تهرع هذه الأنظمة الى الانتخابات المبكرة لاستفتاء الجمهور وإفساح المجال أمامه في اختيار برلمان يفرز سلطة جديدة.ولنأخذ العبرة من ألد أعدائنا ،”جيران السوء” الذين يذهبون الى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء المقبل للمرة الرابعة خلال سنتين ،وهم مرشحون لدورة خامسة.وهذا هو التحدي الذي يُفترض أن نواجهه بعيدا عن هواجس البعض ومزايدات البعض الآخر،ولا نخال حزب الله ولا “الثنائي الشيعي” من أهل الهواجس والمزايدات في هذا الموضوع.والسلام على من اتبع الهدى.
زر الذهاب إلى الأعلى