نقاش في رسائل السفيرة الأميركية وأسئلة أخرى
حكمت عبيد – الحوارنيوز
استمعت منذ أيام قليلة الى السفيرة الأميركية في بيروت السيدة دوروثي ك. شيا، في مقابلة تلفزيونية، تبدو منسّقة ومركّبة، استندت إلى تضليل لا يرقى اليه أدنى شك، ومجمل ما قالته السفيرة شيا معروف كمواقف رسمية أميركية، وهي تناولت مجموعة قضايا مدروسة وأبرز ما انطوت عليه المقابلة:
– توصيف حزب الله كمنظمة إرهابية، لا تستحوذ على ثقة اللبنانيين (خلافا لمؤسسة الجيش اللبناني).
– زعمت أن حزب الله يستغل موارد الدولة لمصلحته ومصلحة دول إقليمية كإيران.
– تأكيدها إستمرار دعم بلادها للشعب اللبناني، مميزة هنا بين الشعب والدولة.
– بشّرت بدفعة أو دفعات جديدة من اللوائح المشمولة بالعقوبات الأميركية استنادا الى قانون مكافحة الإرهاب والقانون العالمي لمكافحة الفساد والجرائم المالية.
وأعقبت السفيرة شيا مقابلتها بحركة اتصالات وزيارات لعدد من الشخصيات التي تربطها علاقة بالإدارة الأميركية، وقد جرى تأويل هذه الحركة وتفسيرها على أكثر من نحو.
ولأن المواقف غير جديدة، وهي تمثل لحظة تجديد الخطاب الفوقي الأميركي وتوجيه رسائل للحلفاء: "نحن لا زلنا معكم وللخصوم.. نحن بالمرصاد"، سنطرح سؤالين من موقع المحايد الذي يرغب مناقشة العقل الأميركي أو يسعى لأن يكون المشهد متوازنا أمام الرأي العام اللبناني، وهي أسئلة مستعادة أيضا؟
السؤال الأول: كيف استنتجت أن حزب الله هو منظمة لا تستحوذ على ثقة اللبنانيين، فيما هي المؤسسة السياسية الوحيدة التي تحظى بإحترام لبناني بشبه إجماع، بمن فيهم غالبية خصومه في لبنان؟
لقد استحوذ حزب الله، في آدائه كفصيل مقاوم للإحتلال الإسرائيلي، وكفريق سياسي على إحترام الجميع بما فيها دول أوروبية. ويكاد يكون الفريق الوحيد الذي لم نسمع عن أحد من المكلفين لديه بتبوء شأنا عاما قد أصابته لوثة الفساد وإستغلال الوظيفة العامة.
السؤال الثاني: عن أي موارد تتحدث سعادة السفيرة؟ لا شك أن مجموعات وأفرادا كثر امتهنوا صنعة الوشاية، ويصدف أن جلّ المعلومات الموشى بها مغلوطة ويتعمد الواشون الكذب لأغراض سياسية.
هل تتحدث السفيرة شيا عن التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية ،وهو أمر مناف للحقيقة دحضته وتدحضه التقارير الرسمية.
هل تتحدث عن شيكة الاتصالات الهاتفية الرباعية التي تربط بعض مواقع ومراكز المقاومة والتي قيل إنها تستخدم لأغراض تجارية، وقد اعتذر من زعم مثل هذه المعلومات تحت وطأة الضغوط الخارجية والأميركية على وجه التحديد.
ليت السفيرة شيا كانت أكثر صراحة وقالت إن مشكلة الولايات المتحدة الأميركية هي في قوة المقاومة وتهديد المقاومة لأمن إسرائيل ولوجودها.
إن مشكلة الولايات المتحدة مع حزب الله هي مشكلتها مع نفسها، مع إدارتها غير القادرة على فصل مصالح بلادها عن مصالح دولة إحتلال بإعتراف المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
إن مشكلة الولايات المتحدة في إغفالها لحقوق لبنان وسائر دول الطوق العربية بالسيادة على كامل ترابها الوطني وعلى بحرها وسمائها وثرواتها.
إن مشكلتكم مع هذه المؤسسة وهذا النهج تتمثل في كون الإدارة الأميركية لم تخرج بعد من دائرة العقل الإستعماري الذي يحاول السيطرة على العالم بموارده وأسواقه، سيطرة كاملة لا لبس فيها ولا شريك.
ليت سعادة السفيرة لم تتحدث عن بضع ملايين تبرعت بها إدارتها للجيش اللبناني أو لبعض البلديات وجمعيات المجتمع المدني لأغراض تسويقية "تلميعية" ،لأنها تدرك في المقابل حجم المساعدات المحجوبة عن لبنان بتهديد أميركي، وهي الآن تمارس هذه اللعبة مع عدد كبير من الدول الأوروبية والعربية والآسيوية ومع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى حد ما.
لقد ربطت السفيرة شيا المساعدات الأميركية بمواقف لبنان وبقدرة الحكومة على إثبات نفسها كحكومة تكنوقراط حيادية…
وهل من سمات الحياد التخلي عن موقف لبنان عن المطالبة بأرضه المحتلة من قبل إسرائيل؟
أو من سمات الحياد التنازل عن حقوق لبنان في ثرواته النفطية؟ أو القبول بمنطق "الحدود الآمنة" لدولة إسرائيل؟
هل قبول لبنان بشمول جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا مجال "الحدود الآمنة" سيريح الولايات المتحدة فترضى على حكومة لبنان وتسخى عليه من أمواله؟
هل تدرك السفيرة شيا، وهي تدرك، بأنه عندما قرر جيشنا الوطني مواجهة المنظمة الإرهابية المسماة ب "فتح الإسلام" تركته الإدارة الأميركية وحيدا، ولم يجد غير مخازن الجيش العربي السوري ليملأ منه أسلحته وتتزود طائراته بالوقود السوري؟
هل تعلم، وهي تعلم، أنه عندما قرر الجيش اللبناني أن يخوض معركته الحاسمة المسماة ب "فجر الجرود" لم يجد غير رجال المقاومة والجيش السوري لملاقاته في منتصف الطريق؟
إن مساعدة لبنان الأساسية والمطلوبة في إقناع دولة الاحتلال بتنفيذ القرارات الدولية ووقف الإعتداءات والإنتهاكات وإعادة الحقوق للبنان ولسائر الدول العربية، ولا تكمن في استغلال الأوضاع الاقتصادية للضغط على لبنان بغية تقديم تنازلات مستحيلة.
هل تعلم، وهي تعلم، من نفذ جريمة 11 أيلول 2001 في نيويورك، وبالمناسبة أحد أعضاء الشبكة المنفذة هو لبناني…
إن من نفذ تلك الجريمة، هي هي، الجهة التي تسعى لتنفيذ جرائم مماثلة في نتائجها في مختلف دول العالم ومنها لبنان ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية.
من لديه القدرة التنظيمية واللوجستية والمادية على تنفيذ جريمة 11 أيلول 2001 في نيويورك، كيف تصعب عليه تنظيم جرائم الإغتيال في لبنان، كإغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
قبل إطلالة السيدة السفيرة شيا بساعات كان وزير الصحة اللبناني الدكتور حمد حسن يتسلم مساعدات طبية تتعلق بمكافحة وباء الكورونا، وقبل ساعات من هذا المشهد سمعنا بقرار الرئيس الأميركي القاضي بوقف المساهمة الأميركية المقررة لمنظمة الصحة العالمية، وهو بذلك كمن يزخّم انتشار الوباء ويقلل من قدرة المنظمة على مكافحته عالميا؟ ومما لا شك فيه سينعكس ذلك على المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب الأميركي الصديق للشعب اللبناني.
يعاني اللبنانيون من أزمة إقتصادية خانقة، تزيد من حدتها إجراءات الحصار المالي على تحويلات اللبنانيين من الخارج.
لقد أخطأ حاكم مصرف لبنان، عمدا أم عن غير عمد، بتلبية طلبات الإستدانة للحكومات المتعاقبة وفسادها وجشع المصارف اللبنانية وفسادها وعند كل مسعى ونقاش حقيقي من أجل وقف دورة الفساد المغلقة كانت الإدارة الأميركية ووزارة خزانتها تلقي الحرم بعد الحرم منعا للمس بالحاكم ومصارفه… لماذا؟
لبنان تسلم بعض المساعدات الطبية من الصين إسوة بمساعدات قدمتها إلى العديد من دول العالم بلا منّة أو مقابلات تلفزيونية غب الطلب، كما تسلمت من دولة قطر، وأنا أجزم أنه إذا احتاجت الولايات المتحدة بعض هذه المساعدات لنجدتها في مكافحة وباء الكورونا ،لن يبخل الوزير حسن بتقديم المساعدة للشعب الأميركي ولا حكومته الحيادية!!