الحوار نيوز – دوليات
تحت هذا العنوان كتب مصطفى عبد السلام في صحيفة “العربي الجديد”:
نعمت شفيق*، أو مينوش، اسم احتل صدارة الأخبار على المستوى العالمي خلال الأيام الماضية، ليس لكونها واحدة من أبرز وأهم الخبراء الاقتصاديين الحاليين على مستوى العالم، أو أنها مرشحة للفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد، أو لرئاسة واحدة من أهم مؤسستين ماليتين، وهما صندوق النقد والبنك الدوليين.
أو أنها ستتولى منصب محافظ بنك إنكلترا المركزي الرفيع، حيث شغلت منصب نائب المحافظ 3 سنوات، ولكن لأن اسمها ارتبط بجرائم قهر واستبداد وقمع لحرية الرأي والتعبير في واحدة من أكبر وأعرق الجامعات الأميركية.
كما ارتبط بالانتفاضة الواسعة التي تشهدها الجامعات الأميركية العريقة هذه الأيام ضد جرائم الإبادة الجماعية في غزة والتظاهرات الضخمة الداعمة للقضية الفلسطينية.
حتى أسابيع مضت كانت الأمور تسير بشكل عادي داخل الجامعات الأميركية، وفي مقدمتها جامعة كولومبيا العريقة التي ترأسها مينوش، تظاهرات طلابية محدودة ضد الحرب في غزة، واعتصامات مناوئة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي القطاع، حراك طلابي يتجاهله الإعلام الغربي المؤيد للوبي الإسرائيلي كالعادة، بل ويهاجمه بشدة في وقت لاحق. لا شيء خارج عن المألوف.
ارتبط اسم مينوش بالانتفاضة الواسعة التي تشهدها الجامعات الأميركية العريقة هذه الأيام ضد جرائم الإبادة الجماعية في غزة والتظاهرات الضخمة الداعمة للقضية الفلسطينية
لكن فجأة تفتق ذهن نعمت شفيق عن فكرة استقتها من دول القمع الشرق الأوسطية، حيث ولدت وعاشت جزءاً من طفولتها، فقد استدعت شرطة نيويورك لفض التظاهرات داخل جامعة كولومبيا.
لم تكتفِ بذلك، بل حاولت التجويد وإرضاء رجال الأعمال المتبرعين للجامعة، ونيل إشادة اللوبي الإسرائيلي الذي ربما أوصلها لهذا المقعد الرفيع، حيث إنها أول امرأة تتولى رئاسة جامعة كولومبيا، فقد قامت بتعطيل الدراسة.
وربطت بين التظاهرات ومعاداة السامية، وفصلت ما يزيد عن مائة طالب بشكل نهائي ومنعت آخرين من دخول الجامعة، كما سمحت للشرطة بالقبض على عشرات الطلاب والأساتذة المتضامنين مع الفلسطينيين، بل واهانتهم وسحلهم على الأرض كما تفعل يعض الأنظمة العربية مع المعارضة.
بعدها بدأت حبات السبحة تنفرط من يد مينوش واللوبي الداعم لها وتخرج الأمور عن نطاق السيطرة، حيث سارعت جامعات أميركية أخرى للتضامن مع طلاب جامعة كولومبيا، والتظاهر ضد جرائم الإبادة الجماعية، لدرجة أن عدد الجامعات الأميركية المنضم للحراك زاد عن 40 جامعة، معظمها يصنف على أنها مؤسسات تعليمية عريقة. كما انتقلت التظاهرات سريعاً من الولايات المتحدة إلى أعرق الجامعات الأوروبية.
مسحت نعمت شفيق تاريخها الاقتصادي والأكاديمي، ولم يعد يجدي نفعاً تفاخرها بأنها كانت أصغر سيدة تتولى منصب نائب رئيس البنك الدولي
وفي محاولة لاحتواء التظاهرات وجّه مجلس جامعة كولومبيا اللوم والتوبيخ إلى مينوش، لكن هذا لم يكن كافياً لإقناع الطلاب بالعدول عن موقفهم، بل أصروا على إعلان الجامعة صراحة عن سحب استثماراتها بالكامل من أي شيء يتعلق بإسرائيل، وتطبيق الشفافية المالية في تلك الاستثمارات، والعفو عن أي إجراءات تأديبية ضد الطلاب المشاركين في الاحتجاجات.
ببساطة، مسحت نعمت شفيق تاريخها الاقتصادي والأكاديمي، ولم يعد يجدي نفعاً تفاخرها بأنها كانت أصغر سيدة تتولى منصب نائب رئيس البنك الدولي، حيث شغلت المنصب وعمرها 36 سنة، أو شغلها في سن مبكرة منصب نائب مدير صندوق النقد الدولي، والمشرف على عمل الصندوق في دول أوروبية عدة خلال أزمة الديون في منطقة اليورو في عامي 2009 و2010، وإدارتها برامج صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط، خلال فترة ثورات الربيع العربي.
ولن تتفاخر بعد اليوم بعضوية مجلس اللوردات البريطاني وحملها لقب بارونة، ومرشحة لمنصب محافظ البنك المركزي البريطاني، وأنها امرأة العام في عام 2009، وضمن أقوى 100 امرأة في عام 2015، وضمن 100 امرأة رائدة في الصناعة المالية الأوروبية عام 2018، وأنها كانت ضمن قائمة 100 امرأة أفريقية الأكثر تأثيراً عام 2021، وأنها رأست كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
فكل تلك الألقاب والنياشين تختفي خجلاً أمام حقيقة واحدة، وهي أن مينوش مارست الاستبداد والقمع داخل جامعة تتفاخر دوماً بأنها منارة للأفكار المطالبة بالحريات العامة واحترام حقوق الإنسان ومنها حق التظاهر والرأي والتعبير، وأنها أشعلت الجامعات الأميركية، وعرفت الطلاب الذين ينتمي معظمهم للطبقات الثرية والمتوسطة بأن هناك دولة محتلة اسمها فلسطين، وهناك محتل وغاصب اسمه إسرائيل يجب أن يرحل عن منطقة الشرق الأوسط.
*نعمت شفيق وشهرتها “مينوش”، من مواليد عام 1962، هي مصرية وتحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية. هي رئيسة جامعة كولومبيا العشرين منذ عام 2023، كانت رئيسة ونائب مستشار كلية لندن للاقتصاد بين العامين 2017-2023، وهي عضو في المجلس الإداري لمؤسسة بيل ومليندا غيتس.