نعرف جيدا من نُقاتِل.. ولكن “مشيناها خُطى كُتِبت علينا”(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
لم تستهن المقاومة في لبنان يوما بقدرات عدوها وحجم آلته العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسة والتكنولوجية،ولا بالدعم الغربي الأميركي المطلق الذي يحظى به الكيان الصهيوني ،على الرغم من ظهوره في أكثر من مرحلة “أوهن من بيت العنكبوت”.
وعليه لم تترك المقاومة باباً من أبواب التطور العسكري والأمني والتكنولوجي إلا وطرقته من أجل تحقيق نوع من توازن الردع، في وجه عدو يمتلك مثل هذه الإمكانات السالفة الذكر ،حتى أنها لا يمر يوم إلا وتكون فيه المقاومة أكثر قوة وخبرة، أكثر من أي يوم مضى.
من الأساس تعرف المقاومة جيدا من تواجه وتقاتل في منطقة تخلى فيها الكثيرون عن المواجهة.وخلال ما ينوف على أربعة عقود خبرت المقاومة قدرات هذا العدو ،والكثير من مفاجآته التي كانت تكلِّف مجاهديها وأهلها وبيئتها والبلد أثمانا باهظة،وكانت عملية أجهزة أل” بيجرز” أمس آخر هذه المفاجآت.
وبالطبع لم يفت المقاومة إحتمالات مفاجآت العدو على كل الصعد،لكن ما حصل بالأمس لم يكن أمرا عاديا ولا طبيعيا، بعدما تكشفت بعض خيوط هذه العملية التي تنال أولا وآخرا من سمعة شركة عالمية مثل (APOLO GOLDEN) قد تقضي على مستقبلها واستمراريتها. فعندما تعترض إسرائيل صفقة من هذا النوع وتُفخّخها بالمتفجرات، ثم تفجرها في نحو أربعة آلاف مشترك ،فإن هذا الأمر يُفترض أن يكون خارج الحسابات والتوقعات.
كثيرون بالأمس من الأجيال الناشئة فوجئوا بوجود مثل هذه الأجهزة ،وكثيرون من الأجيال المخضرمة فوجئوا أيضا بأن أجهزة “بيجرز” ما زالت مستخدمة في ظل الهاتف المحمول والذكي. فقد إستخدم جيلنا هذه الأجهزة قبل نصف قرن،وكنتُ شخصيا واحدا من حملتها في “تلفزيون لبنان”، وقبل ان تولد أجهزة الهاتف المحمول، لكن التطور التكنولوجي فرض على أهل المقاومة في لبنان والخارج كما يبدو، العودة إلى “الدفاتر القديمة” التي يُعتقد أنها عصية على الإختراق والرصد المباشر ،بعد أن دفع المجاهدون أثمانا كبيرة وعزيزة في الأرواح نتيجة الأجهزة المتطورة السهلة الإكتشاف،وهو ما دفع المقاومة الفلسطينية في غزة إلى استخدام وسائل الإتصال البدائية التي لم تستطع التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة إكتشافها ،وهو نفس السبب الذي حمل المقاومة في لبنان على استيراد هذه الكمية من أجهزة “بيجرز” لتيسير التواصل بين عناصرها ،وذلك بعد دراسة وافية لهذه الوسيلة التي يمكن أن تحقق الأمان للمقاومين . لكن بالطبع لم يكن في خلد أحد أن تبلغ إسرائيل هذا المبلغ باعتراض طريق صفقة مع شركة عالمية وتفخيخها بمثل ما حصل.
وطبيعي بعد هذه المفاجأة القاتلة أن تتحسب المقاومة أكثر فأكثر لخطواتها،من أجل توفير المزيد من الحماية والأمن والأمان لعناصرها وأهلها وبيئتها ،من دون أن تغض الطرف عن احتمالات حصول مفاجآت جديدة.
وفي الخلاصة عود على بدء..
نعرف وتعرف المقاومة جيدا من نُقاتِل ،ولكن لم يعد من مجال للتراجع والهوان ،يحضرنا بيتان من الشعر لأبي العلاء المعرّي:
مشيناها خُطى كُتِبت علينا
ومن كُتِبت عليه خُطى مشاها
ومن كانت مَنيّتهُ بأرضٍ
فليس يموت في أرضٍ سواها
الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى ..والسلام على من اتبع الهدى !