عرض سلوى فاضل – الحوار نيوز
الكاتب إسم بارز في عالم الحركات الإسلاميّة، وهو باحث ومفكر باكستاني، كرّس جهده لأجل إطلاع المهتمين على الإسلام “الحركي” في مواجهة الإسلام “الآسن”، كما يقول في كتابه هذا، وكرّس جهوده لخرق الحواجز المذهبية.
هذا الكتاب “نظرية الثورة الإسلامية” للدكتور الراحل كليم صدّيقي (1996-1931)، الصادر عام 2018 عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” القائم في بيروت، والذي يسعى بكل جهد للإضاءة على عثرات الإسلام السياسي لأجل تنقية هذه المسيرة التي تبدّلت منذ أكثر من أربعة عقود بشكل جلّي، وأزالت الصورة النمطيّة عن الإسلام المُتحالف مع الغرب الإستعماري، فتحوّلت من حليفة ومساندة له إلى مُناهضة وثائرة عليه.
يقع الكتاب في 220 صفحة، مع حوالي 30 مصدر ومرجع بحثي، موّزعة على 8 فصول، مع ملحق أعدّه الدكتور صدّيقي عام (1988-1989) ليرسله إلى الإمام الخميني، لكن القدر سبقه فأرسله إلى خليفته الإمام الخامنئي.
وتتوّزع الفصول الثمانية على العناوين التالية: الأول: دور الثورة الثقافيّة، الثاني: عولمة الثورة الثقافيّة، الثالث: الفكر السياسي الإسلامي، الرابع: نحو إجماع عالمي، الخامس:حركات وقتيّة وثورات جزئيّة، السادس: الحركة والسلطة والإنجاز، السابع: الثورة الإسلاميّة والدولة الإسلاميّة، الثامن: التلاقي عند القلب: الخلافة/الإمامة. مع ملحق تحت عنوان: تقويم الفكر السياسي الإسلاميّ.
الثورة ما قبل العام 1979
تحوّلت الثورة من المعنى السلبي المرتبط بالفوضى إلى الانقلاب على الماضي وإحداث تحوّل سياسي واجتماعي وإقتصادي. إنّه عن الثورة الإسلامية القادمة، وليس عن الثورة الإسلاميّة في إيران، كما يؤكد صدّيقي.
وضع المؤلف هذا الكتاب ليُسلّط الضوء على الحاجة لثورة ثقافية داخل الإسلام، وقد كان انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عاملا أسهم في تحوّل تاريخي. مع العلم أن المسارات المُستعملة لإشعال الثورة والتي قد تؤدي إلى إقامة الدولة الإسلاميّة لا زالت قاصرة.
لذا، يرى صدّيقي أنه “من المهم السعي للتغيير في المجتمعات المسلمة، والتغيير يكون عادة نتيجة تراكم غير ملحوظ للضغوط خلال فترات زمنية طويلة. فغياب التغيير أو المقاومة الطويلة للتغيير قد يؤدي إلى تغيير مفاجئ أو ثوري”.
ويلفت إلى أنّ التأخير في إشعال الثورة مرده إلى أنّ الغرب يعلم أن للحركات الإسلاميّة العالميّة قاعدة فكرية قوّية، لكنه يقف حائلا دون حدوثها. فضلا عن الأسر الحاكمة الذين يخافون الثورات، من هنا جاء تحريم الاجتهاد لدى السنّة. فـ”الحكّام السعوديون دمروا تحت غطاء اللاهوت الوهابي المُلّفق مساحات شاسعة من الآثار الإسلاميّة المادية”.
الثورة الثقافيّة
هي بالنسبة لصدّيقي عبارة عن عملية مراجعة وتصحيح لفهم التاريخ والقوى الفاعلة، حيث تضعنا على الطريق الصحيح لأن كل إخفاقاتنا سببها الابتعاد عن الإسلام.
وسبب انحطاط المسلمين أولاً وأخيرا هو فشل الجماعة العلميّة المسلمة في إنتاج تصورات جديدة اعتمادا على مصادرها المعرفية بعيد كل الابتعاد عن الاجتهاد.
ويُعيد صدّيقي سبب نهضة أوروبا إلى اعتمادها على منجزات المسلمين في الفلسفة والعلوم التجريبية، ولربما لولاها لكانت أوروبا ما تزال تتخبط في دياجير عصورها المظلمة. إنّ بذور الثورة الثقافيّة التي أنقذت أوروبا استنبتت أصلا في ظل حضارة الإسلام. وهذه النهضة التي سببت التطور ما كانت لتتم لولا تدمير المسيحية.
وبرأي صدّيقي إنّ الفشل في تدمير الإسلام سيُثير الشك حول صلاحية فلسفتهم وعلومهم التجريبية. وهذا هو السبب بازدياد تصميم أوروبا أو الحضارة الغربية، بعد أن اجهزت على المسيحية، على محاولة دفع الإسلام هو الآخر للانتحار ثقافيّا أو تدميره بالقوة.
من هنا يخشى الغرب رغم الخراب الذي خلّفه جراء هيمنته على المسلمين من أن يستعيد الإسلام مقدرته وقوته ليولّد ثورة ثقافية خاصة به فيُبعث سياسيا!!
ولابد، برأي صدّيقي، من أن يُصمم الإسلام ثورته الثقافيّة العالمية الخاصّة به بعد أن أنقذ أوروبا لتدخل عصر النهضة.
والثورة الإسلاميّة في إيران، وبعد فتح أبواب الاجتهاد الذي ولّدها، أُجبرت الحركات السنيّة الإسلامية على إعادة النظر في مناهجها وافتراضاتها الأوليّة.
وما قبل الثورة في ثمانينيات القرن الماضي، كان الغرب شديد الوثوق بقدرته على التلاعب بالإسلام والمسلمين لمصلحته، ما حدا بالمعسكر الأميركي خلال الحرب الباردة لاعتباره المسلمين من حلفائه الطبيعيين في مواجهة الشيوعية المُلحدة.
ولكن، وبعد انتصار الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وظهور حركة إسلاميّة مُعاصرة قوّية بات الغرب يعتبر المسلمين أعدائه العالميين الطبيعيين. فاستخدم قوته الثقافيّة والعسكرية من خلال أنظمة عميلة له لتحطيم وتهميش الحركات الإسلامية.
العوائق
ويضع العوائق الأولية لانتشار الثورة الإسلامية في العالم الإسلامي في أمور عدة منها الإصرار على اللغة الفارسية في التخاطب، وثانيا بالإصرار على نشر نصوص شيعية بحتة، اضافة إلى سيطرة الإعلام الغربي وقوته على الاعلام العالمي مع اعتماده لغة أكثر حداثة في ظلّ انعدام الخبرة الإيرانية في الدعاية والصورة الجديدتين.
ولا بد من القول إنه لولا اعتناق اللبنانيين والفلسطينيين لمبادئ الثورة الإيرانية في المقاومة لما انتشرت هذه الثورة وتوّسعت في العالمين العربي المسلم والغربي المُلحد.
وهي وإن أحيت الإسلام في العالم، لكنها أشعلت الحركات الإسلاميّة الجهادية، بشكل غير مباشر، عبر دعم الغرب لهذه الموجات من التطرّف الديني المُسيئ للإسلام بطريقة فهمه للعالم وللآخر وللغرب والحياة المُعاصرة، فكانت ارتدادات الإسلام السلفي الجهادي أكبر بكثير من أفكار الثورة الإسلامية المعاصرة “الوحيدة” في العالم.
وقد رأى الإمام الخميني أن ثورته عام 1979 هي مجرد بداية لسلسلة طويلة من الإجراءات الثورية. فالثورة الإسلامية الكبرى تلزمها سلسلة من الثورات الأصغر لترتفع بها إلى آفاق جديدة من التحفيز والاستنفار والخدمة الطوعيّة والقوة والإنجاز.
القائد
حيث أن الهيكل السياسي للإسلام بدأ بالتشكّل بعد أن شغل القائد موقعه، إذ القائد هو مركز الهيكل، فإنمّا يُبنى الهيكل حوله. إنّه القابس، الصلة الأساسية: الموصل أو الوسيط الذي يقبس السلطة والشرعية من المصدر المطلق، ولا تسري الطاقة سوى عبر المسارات المتوافقة مع مصدر سلطة القائد.
ما يطرح السؤال الجوهري، وهو كيف يظهر القائد في غياب الدولة الإسلامية؟ إذ بمجرد أن تستقر الدولة الإسلامية يمكن لنا الافتراض أن ثمة آلية ستنوجد حينها لاختيار أو تعيين من يخلف الخليفة.
ومن بين ثلاثة شخصيات إسلامية بارزة مطلع القرن العشرين، هي: أبو الأعلى المودودي، والإمام حسن البنا، والإمام روح الله الخميني، وحده الأخير نجح في تأسيس الدولة الإسلامية، وصار قائدها الأعلى، مُتخذّا لنفسه لقب “الوليّ الفقيه”. وهو الذي اعتمد على تقليد شيعي بين العلماء داخل المؤسسة الدينية للمذهب الشيعي بدأ قبل 200 عام.
وما يُميز الإسلام، بحسب الكاتب، أنّه “على الرغم من الخطأ والانحراف في بعض الممارسات باسم الإسلام إلاّ أنّه نظام قوي قائم على المعتقدات والأفكار، وهو مّعدّ سلفا لإنتاج إجابته الخاصة عن علل الأمة”.
ولا ينفك صدّيقي في السياسة من التذكير بـ”موقف النظام السعودي لإفشال كل نجاح عبر انفاقه المبالغ الطائلة لامتصاص طاقات الكثيرين من المسلمين في أنحاء العالم وليُشتتهم إلى نشاط لا أفق له”.
ميزة التشيّع
ويُشدد على أن نجاح الشيعة يعود في أساسه إلى رفضهم مداهنة النظام القائم بناءًا على جذور المذهب الشيعي لرفض الإمام الحسين سلطة يزيد وبالتالي استشهاده في كربلاء.
ورغم انقسام الشيعة بين إخباريين وأصوليين إلا أنّ الأصوليين انتصروا باعتمادهم على الاجتهاد الذي سار به أستاذ الإمام الخميني أي المرجع البروجردي. والأصولية هي نوع من تطوير آلي ذاتي داخل المذهب الشيعي على العكس من الإخباريين الذي يمتنعون عن الاجتهاد في ظلّ غيبة الإمام المهدي المنتظر.
ختاما..
ختاما، صدّيقي الوحدويّ في نظرته للأصوليات الإسلاميّة، ينحى باتجاه الاعجاب بالاجتهاد، الذي تميّز به المذهب الشيعي، وقد أفضى إلى ثورة ومن ثم دولة قائمة على الإسلام النظري بالنهاية، مقابل فشل الأصوليات الأخرى في الوصول إلى الحكم في كل الدول المسلمة، بالطبع هذا إذا تم تحييد “حركة طالبان” وتجربتها الجديدة لأسباب لا مجال لذكرها هنا.