ثقافة

نظرتنا الى الحياة (الشيخ وسام سليقا)

 

بقلم الشيخ وسام سليقا*- الحوارنيوز 

 

الحياة أشبه بمرآة كبرى، لا تعكس ملامحنا وحدها، بل تكشف أعماقنا. هي بحرٌ تتعدد أمواجه بين أفراح ومحن، وبين بدايات ونهايات.

منذ أن وُجد الإنسان على هذه الأرض، وهو يرفع رأسه إلى السماء باحثًا عن المعنى، وينظر إلى الأفق متساءلًا عن الغاية. الحياة ليست عبورًا عابرًا بين ميلادٍ ورحيل… بل هي أمانة ورسالة، وامتحانٌ في كل نفسٍ نتنفسه، وكل لحظةٍ نعيشها. إن نظرتنا إليها هي التي تصوغ ملامحنا، وتحدد ما نتركه خلفنا حين نغيب.

 

الحياة مرآةٌ وبحر، حديقةٌ وصحراء، كتابٌ وقصيدة. فيها الامتحان والفرصة، فيها الألم والرجاء، وهي على قدر بصيرتنا تكون أجمل أو أقسى.

 

روحيًا، هي هبةٌ من الخالق ونفَسٌ من رحمته، ميدانٌ نختبر فيه الصبر ونغرس فيه الشكر، ونمدّ فيه قلوبنا نحو السماء طلبًا للنور. فالقلب الذي يتصل بمولاه، يرى في الصحراء بساتين، وفي الظلام شموعًا.

 

إنسانيًا، هي ساحة للعطاء، نكون فيها ظلًا يقي الآخرين حرّ الحاجة، ويدًا تمسح عنهم غبار الحزن، وخبزًا يسبق الكلمة، ورحمةً تسبق الحكم. فمن لا يرى في الآخر صورةً من ذاته، لم يفهم بعدُ سرّ الوجود.

 

أخلاقيًا، الحياة امتحانٌ متكرر، ومرآة لما نزرعه من صدق وعدل وأمانة. هي القوة على فعل الصواب ولو كان الطريق أقسى، وهي أن نقف شامخين أمام الباطل ونختار الحق ولو كان مُرًّا.

 

علميًا، الحياة مختبرٌ وكتاب، كل تجربة فيه درس، وكل سؤال فيه بوابة، وكل اكتشاف فيه بداية جديدة. من ينظر إليها بعين الباحث، يرى في الورقة المتساقطة قانونًا، وفي النجمة البعيدة معجزةً، وفي قطرة الماء عالَمًا كاملًا.

 

أدبيًا، الحياة نصّ طويل وقصيدة مفتوحة، نكتب فصولها بأنفاسنا، ونهدي أبياتها لمن نحب، ونترك سطورها الأخيرة لله، فهو الذي يكتب النهاية الأجمل لكل قصة بدأت باسمه.

 

وحين تجتمع هذه الأبعاد، تصبح الحياة قصيدةً كبرى، بيتُها الأول الإيمان، ووسطها العمل، وقافيتها المحبة.

فلننظر إليها بعيون الروح، ونلمسها بأيدي الأخلاق، ونسير فيها على جسور العلم، ونزينها بألوان الأدب… حتى إذا ودّعناها، تركنا وراءنا أثرًا أعمق من الوجود ذاته.

*رئيس اللجنة الثقافية 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى