قاسم قصير – الحوار نيوز
منذ ان وعيت على الحياة وانا اتذكر ذكرى عاشوراء والمشاركة في مراسمها. وعندما كان عمري سنوات قليلة كانت والدتي تاخذني مع اخواتي الى مجالس العزاء ، سواء تلك التي كانت تقام في المنازل في منطقة وطى المصيطبة في بيروت او يوم العاشر في منطقة الغبيري عند ال الخنساء، وخصوصا مجلس عزاء تقيمه احدى القارئات والتي كانت تردد دوما اللطمية الشهيرة : زينب تندب اخاها يا حبيبي يا حسين وندبيات اخرى مؤثرة جدا.
وعندما كبرت قليلا اصبحت اذهب مع والدي الى مجلس عزاء الرجال ،سواء في حسينية ابو رياض الخنساء في الغبيري او في الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية في راس النبع حيث يتلو مجلس العزاء الشيخ محمد نجيب زهر الدين رحمه الله وكانت مجالس العزاء في العاملية وخصوصا يوم العاشر لها بعد وطني ويشارك فيها شخصيات اسلامية ومسيحية وخصوصا الامام موسى الصدر .
وكنا نتابع احياء عاشوراء في مناطق اخرى وخصوصا في النبطية وما يجري من ضرب للرؤوس .
وكانت مجالس العزاء منتشرة في البيوت اضافة للحسينيات ويذهبن النساء اليها بشغف كبير وكان هناك تفاعل كبير معها وحتى لمن هم من غير المسلمين الشيعة.
وتقدم في مجالس العزاء الضيافات المختلفة وكان الاولاد يحبون البسكويت وراحة الحلقوم .
ولكن لاحقا وخصوصا مع تقدم الوعي السياسي والديني بدانا نعي اهمية عاشوراء وخصوصا في السبيعينيات من القرن العشرين وكانت مجالس العزاء والحسينيات تنتشر في كل المناطق ومنها حسينية مسجد المصيطبة التي اشرف عليها السيد احمد زكي تفاحة مع عدد من الحجاج المؤمنين وفيها القيت اول خطاب لي في ايام عاشوراء واضافة الى النشاطات في الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين وكانت اول محاضرات ثقافية وفكرية حول عاشوراء مع المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله ومع الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وكان لهم كتب مميزة حول عاشوراء وكان الشيخ عبد الوهاب الكاشي من اوائل القراء المميزين في لبنان وتتلمذ على يديه الشيخ علي سليم وكان يقرأ السيرة الحسينية في مسحد الامام المهدي في الغبيري ولاحقا صرنا نسمع محاضرات الشيخ الدكتور احمد الوائلي وبرز لاحقا عشرات القراء المميزين في لبنان والعالم العربي والإسلامي ولا مجال لذكرهم اليوم.
ولكن البعد السياسي الابرز في احياء ذكرى عاشوراء بدا مع الثورة الإسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني حيث انتشرت التظاهرات العاشورائية ضد نظام الشاه وشكلت اهم المراحل في مسيرة الثورة وكان للامام مقولته الشهيرة : كل ما عندنا من كربلاء او عاشوراء ومن ثم انتقل ذلك الى لبنان من خلال اقامة المسيرات العاشورائية واقامة المسرحيات والاحتفالات وكانت اهم مسيرة عاشورائية خلال مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في النبطية وشكلت محطة مهمة في المواجهة وفي بيروت كانت اول مسيرة عاشورائية ضد نظام امين الجميل في برج البراجنة دفاعا عن مسجد الرسول الاعظم عندما كان يريد هدم ماذنته .
ولاحقا تطورت مسيرات عاشوراء تنظيما واعدادا ومجالس وكانت تنطلق المسيرات العاشورائية من امام مسجد الامام الرضا عليه السلام في بئر العبد وكانت مواقف المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله في يوم العاشر تحدد الافق السياسي والنضالي للمقاومة وبدا لاحقا ح زب الله وحركة امل ينظمان المسيرات السياسية العاشورائية وكذلك مجالس العزاء اضافة للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى والجمعية العاملية ومجالس العزاء في كل المناطق وتطورات الندبيات وكان الاخ الحاج فيصل عبد الساتر والحاج سامي قليط من الذين يقودون المسيرات العاشورائية والندبيات وغيرهم الكثير .
وكل يوم نشهد المزيد من تطور احياء عاشوراء وهي ليست مناسبة شيعية بل مناسبة اسلامية وانسانية وهي محطة من اجل نشر الوعي السياسي والثقافي والديني والاجتماعي رغم وجود بعض الثغرات او الاخطاء سواء في تلاوة المجالس او بعض الأنشطة في الشوارع ولكن هذه مناسبة دينية وسياسية واجتماعية تستحق الدراسة والاهتمام كما فعل الدكتور رالف رزق الله في كتابه عن عاشوراء وكما كتب الشهيد مطهري والدكتور علي شريعتي والشيخ عبد الله العلايلي والدكتور عبد الرحمن الشرقاوي والشاعر بولس سلامة والكاتب سليمان كتاني والكاتب ميشال كعدي وغيرهم الكثير الكثير.
وما يجري اليوم من احياء عاشوراء وذكرى اربعين الامام الحسين عليه السلام تطور مهم يستحق البحث والدراسة والاهتمام .