كتب حلمي موسى من غزة:
بعد يومين فقط من “عنطزة” رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو على الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتنفيذ تهديده بعدم إرسال الوفد الإسرائيلي الذي طلبه الأخير لمناقشة بدائل لاجتياح رفح عسكريا، طلب نتنياهو من الإدارة استقبال هذا الوفد.
ولم تخل عنطزة نتنياهو هذه المرة من عنطزة ثانية لنتنياهو عندما أعلن ديوانه، بعد نشر وسائل الإعلام خبر تراجعه عن منع إرسال الوفد، أنه لم يوافق على إرسال هذا الوفد. ولم تتضح الأمور إلا بعد أن أعلن البيت الأبيض أنه تلقى طلبا من إسرائيل باستقبال الوفد وأنه سينسق هذا الأمر. ومعروف أن موقف عدم ارسال الوفد ردا على عدم استخدام أمريكا الفيتو ضد قرار الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، أثار انتقادات واسعة في اسرائيل نفسه واتهامات لنتنياهو بتعمد الصدام مع أمريكا ما يلحق أشد الضرر بأمن إسرائيل.
وكتب المراسل السياسي لموقع “والا” باراك رافيد أن “نتنياهو يعتزم إرسال أقرب مستشارين له – الوزير رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي – لإجراء محادثات في البيت الأبيض بشأن عملية رفح، ربما في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، وفقا لأربعة مسؤولين كبار إسرائيليين وأمريكيين مطلعين على الأمر.
ولاحظ رافيد أن هذا يعتبر منعطفا كبيرًا من جانب نتنياهو، الذي ألغى يوم الاثنين الماضي رحلة مماثلة لنفس المستشارين إلى البيت الأبيض احتجاجًا على قرار إدارة بايدن بعدم استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن المختطفين”.
وقد أدى قرار نتنياهو إلغاء الرحلة والمواجهة العامة التي اندلعت حول هذه القضية إلى زيادة التوترات العالية بالفعل بين نتنياهو والرئيس بايدن. وقال أحد كبار الأميركيين: “لقد كانت دراما غير ضرورية على الإطلاق من جانب نتنياهو”. ووافق مسؤول إسرائيلي على ذلك وقال: “بيبي أخطأ وهو الآن يبحث عن سلم للنزول عن الشجرة”.
ونقل رافيد عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن مكتب رئيس الوزراء اتصل بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء وطلب إعادة جدولة زيارة الوزير رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي لمناقشة عملية محتملة في رفح. وقال المسؤول الأمريكي: “نحن نناقش معهم الآن موعدا سيكون مناسبا للجميع. نحن نعمل على تحديد موعد. من المحتمل أن يحدث ذلك قريبا جدا، لكن ليس لدينا موعد محدد بعد”.
وقال مكتب رئيس الوزراء إن نتنياهو لم يوافق على مغادرة الوفد، لكنه لم ينف أن المحادثات تجري حول هذا الموضوع. وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في مؤتمر صحفي أن “مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على إعادة جدولة اللقاء حول قضية رفح. ونعمل على تنسيق موعد يكون مناسبا للجانبين”. وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن المناقشات بشأن رفح هي “مسألة ملحة”.
وكان نتنياهو قد التقى نتنياهو أمس في مكتبه بالسيناتور الجمهوري ريك سكوت، وبحث معه أمر الحرب في غزة. وفي بيان صادر عن مكتب نتنياهو بعد الاجتماع، تم تقديم سبب جديد لإلغاء نتنياهو رحلة الوفد يوم الاثنين. إذ قال نتنياهو: “القرار الذي اتخذته بعدم إرسال الوفد إلى واشنطن، في أعقاب هذا القرار، كان بمثابة رسالة لحماس بعدم الاعتماد على هذا الضغط. لن ينجح ذلك. وآمل أن يفهموا الرسالة”.
وقال مسؤول أميركي كبير إن نتنياهو أرسل بالفعل يوم الثلاثاء رسالة بالفحوى نفسه إلى البيت الأبيض، وأوضح أنه لا ينوي بدء مواجهة مع إدارة بايدن. وقال المسؤول الأميركي إن بعض كبار مستشاري بايدن ضحكوا بصوت عالٍ عندما سمعوا تفسير نتنياهو الجديد لإلغاء رحلة الوفد.
وخلف الكواليس، نقل رافيد عن اثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين إنه يوم الأحد، قبل التصويت في الأمم المتحدة، اتصل الوزير رون ديرمر بالمستشار الكبير للرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وأعرب عن غضبه الشديد من نية الولايات المتحدة عدم استخدام حق النقض ضد القرار في مجلس الأمن. ووفقًا لمسؤول أمريكي كبير، ارتفعت حدة المكالمة الهاتفية إلى درجة عالية للغاية، حيث اتهم ديرمر إدارة بايدن بخيانة إسرائيل، وهدد بأن إسرائيل سوف “تقاتل” الولايات المتحدة في ما يتعلق بالتصويت.
وعندما أعلن نتنياهو بعد التصويت أنه سيلغي سفر ديرمر وهنغبي إلى واشنطن، قرر البيت الأبيض التركيز على اللقاءات مع وزير الدفاع يوآف غالانت الذي كان موجوداً بالفعل في واشنطن. وهكذا التقى غالانت في اجتماع مطول يوم الاثنين ،مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ثم عاد إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء لإجراء جولة أخرى من المحادثات. والتقى غالانت أيضًا وزير الدفاع أوستن ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز. وكان لافتا قول مسؤول أمريكي كبير عن المحادثات مع غالانت: “كان من الجميل التحدث إلى شخص كبير السن يعيش على الأرض ويمكنك إجراء مناقشة عادية معه”.
من جانبها أعلنت صحيفة “يسرائيل هيوم” أنه بعد إلغاء نتنياهو مغادرة الوفد إلى واشنطن احتجاجا على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في الأمم المتحدة، ناشد البيت الأبيض إسرائيل إعادة جدولة رحلة الوزير رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، حتى يتمكنوا من الحضور لسماع بدائل العمل في رفح. وأضافت الصحيفة المقربة من نتنياهو أنه وصلت دعوة بالفعل صباح أمس من البيت الأبيض تطلب منهم تنسيق الزيارة. بمعنى آخر، هناك اتصالات، لكن لا يوجد تأكيد رسمي حتى الآن. وكانت شبكة “إن بي سي” الأميركية أول من نشر بعد ظهر أمس (الأربعاء)، أن نتنياهو أبلغ البيت الأبيض برغبته في تحديد موعد جديد لوصول وفده إلى واشنطن لبحث قضية رفح.
ويبدو أن التوتر بين نتنياهو وإدارة بايدن اتخذ ابعادا خفية وكامنة لا تظهر بكامل صورتها. وهكذا نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن مصدر إسرائيلي قوله: “أميركا أدارت ظهرها، ومن دون دخول رفح لا توجد فرصة للانتصار”. وفي مقابلة مع الصحيفة ، تحدث مسؤولون إسرائيليون كبار عن إمكانية استكمال الأهداف القتالية وتدمير حماس، وعن الوضع القتالي الفعلي. وقالوا “إنهم يخوضون حرب عصابات، لكن من دون الدعم الأمريكي لا يمكننا الفوز”.
واعترف مسؤولون في المخابرات الإسرائيلية لصحيفة التلغراف أمس (الأربعاء) بأن “إسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير حماس رغم ستة أشهر من القتال العنيف في غزة”. وحذروا من أن “الهدف الرئيسي لغزو غزة يواجه الفشل مع تحول الدعم الدولي ضد إسرائيل”.
وحذرت المصادر من أن “الهدف الرئيسي لغزو غزة يواجه الفشل مع تحول الدعم الدولي ضد إسرائيل”. وقال مصدر استخباراتي إسرائيلي: “لو سألتني هذا قبل شهر، لقلت بالتأكيد نعم، يمكننا القضاء على حماس، لأنه في ذلك الوقت كان الأمريكيون يدعمون إسرائيل”. وادعى المصدر أن هذا التقييم قد تغير الآن. وحذروا من أن “حماس تركز على البقاء حتى الصيف، عندما تبدأ الحملة الانتخابية الأمريكية ومن المتوقع أن يتضاءل الدعم لإسرائيل أكثر”. وقال المصدر إن حماس والإيرانيين يلعبون على هذا الأمر.
وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي في قيادة الجبهة الجنوبية للصحيفة: “لم تعد حماس تعمل كجيش. لقد تم القضاء على وحداتها ولم يعد لديها قيادة وسيطرة مركزية. كل وحدة تعمل بشكل مستقل، وتفعل ما تعتقد أنها يجب أن تفعله، ولكن لا يوجد مركز تحكم يمكنه تحريك الوحدات”..”إنهم في حالة سيئة للغاية، ولكن عندما تقول ذلك، فإنهم أصبحوا النمط القديم لحرب العصابات. إنهم يعملون كإرهابيي عصابات، وعندما تعمل بهذه الطريقة، فإنك لا تحتاج إلى البنية التحتية والمرافق، بل تذهب من منزل إلى منزل، تختبئ وتستخدم آر بي جي والقنابل اليدوية وتختفي”.
وقالت مصادر استخباراتية إسرائيلية إن القيادة المركزية لحركة حماس لم تعد لديها “صورة واضحة عما يحدث” مع بقية مقاتليها في غزة المدفونين عميقا تحت الأرض في شبكة الأنفاق. وقال مصدر مخابرات إسرائيلي: “معلوماتهم الاستخباراتية محدودة للغاية، وليس لديهم كاميرات مراقبة في كل مكان كما كانت الحال منذ أن دمرناهم، وبالتالي فإن الصورة العامة محدودة للغاية”. “حتى أولئك الموجودين فوق الأرض يتحركون باستمرار. أنت لا ترى حقًا هذه الهجمات الكبيرة المنظمة على إسرائيل كما رأينا في بداية الحرب عندما دخلنا غزة.”
وقال المصدر: “الولايات المتحدة لا تؤيد دخول رفح كما فعلت من قبل، لذا فإن الأوراق ليست جيدة في الوقت الحالي، ما يعني أن إسرائيل بحاجة إلى القيام بشيء دراماتيكي وجذري لتغيير الزخم والمناخ، بطريقة أو بأخرى، ولكن بطريقة عدوانية للغاية” كما أصروا، والتي بدونها تبدو فرص حماس في البقاء أكثر ترجيحًا.