كتب حلمي موسى من غزة:
في الوقت الذي يكرر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، شعارات “النصر النهائي”، يعتقد معلقون إسرائيليون أنه يحاول التشبه برئيس الوزراء البريطاني التاريخي، ونستون تشرتشل، الذي قاد بلاده للنصر في الحرب العالمية، الثانية لكنه خسرالأمبراطورية. ومن انتصار إسرائيل الذي حاول عدد من وزرائه الاحتفال به بإعلان إعادة الاستيطان في غوش قطيف في غزة، جرى الانتقال سريعا إلى الخطة التي ترعاها أمريكا، وهي الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل دمج إسرائيل في المنطقة وتطبيع علاقاتها مع أغلب الدول العربية.
ويبدو أن العالم في واد ونتنياهو في واد آخر، حيث يعلن أنه يعارض “أولئك الذين يريدون منعنا من العمل في رفح لأنهم في الأساس يقولون لنا إنكم ستخسرون الحرب، ولن أدع ذلك يحدث”. وفي هذه الأثناء تتزايد التظاهرات داخل الكيان ليس فقط ضد طريقة نتنياهو في إدارة صفقة التبادل، وإنما أيضا من أجل اسقاط حكمه وتقديم موعد الانتخابات.
وكتب يوآف كارني، أن ونستون تشرتشل لم يتحدث في ربيع عام 1940، لم يتحدث تشرشل عن “اليوم التالي”، بل انتظر فقط الخلاص الأمريكي. لقد جاء، لكنه كان له أثره: نهاية الإمبراطورية البريطانية. وفي خطابه أمام مجلس النواب البريطاني في 13 مايو 1940 قال تشرتشل: “أنت تسأل ما هي سياستنا، سأجيب: منع الحرب، في البحر، في البر، في الجو، بكل قوتنا وبكل القوة التي يمكن أن يمنحنا إياها الله؛ منع الحرب على طغيان وحشي، ومثل هذا لا مثيل له في كامل المجموعة الحزينة والقاتمة من الجرائم الإنسانية.”
وأضاف أنه في يونيو 2013، وزع المكتب الصحفي الحكومي صورة لبنيامين نتنياهو أثناء رحلة إلى بولندا، مع مجلد كبير من السيرة الذاتية لتشرشل موضوعا على حجره. وفي فبراير/شباط 2017، قال نتنياهو لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: “خلف مكتبي هناك صورتان، واحدة لهرتسل والأخرى لتشرشل”.. “بنيامين نتنياهو هو ونستون تشرشل اليوم”. كان العنوان الرئيسي على موقع القناة 14 في 14 يونيو 2021.
وبحسب يوآف كارني لم يقدم تشرشل أي قصص نجاح. والواقع أنه فشل في كل مناصبه حتى أصبح رئيساً للوزراء. وفي الخطاب المذكور أعلاه بتاريخ 13 مايو 1940: “أنتم تسألون ما هو هدفنا. أستطيع أن أجيبكم بكلمة واحدة: النصر، النصر بأي ثمن، النصر رغم كل المخاوف، النصر، الطريق إلى الأمام ستستمر. ستكون طويلة وصعبة عندما تكون كذلك، لأنه بدون النصر لن تكون هناك حياة.”
و تساءل كارني: هل تعرف سياسيًا يمر بأزمة ولم يرتد بزة تشرتشل؟ دعونا نتذكر كيف ضحى تشرتشل بالإمبراطورية البريطانية من أجل إنقاذ الوطن الأم الصغير. وهذا ما طالب به الرئيس الأمريكي. وكانت اللحظة الحاسمة: تشرشل وروزفلت يغنيان “إلى الأمام، جنود مسيحيون على متن سفينة حربية بريطانية”. وخلص إلى: “لكن أخوة الجنود المسيحيين لم تكن عملاً من أعمال الخير. لقد حشد روزفلت كامل موارد أمريكا، لكنه لم يكن مستعدًا للقيام بذلك لمجرد استعادة الإمبراطورية البريطانية. وكان الهدف المعلن هو نهاية الإمبراطورية التي انتشرت على خمس سطح الأرض. وقد دفع تشرشل، الإمبريالي بامتياز، ثمن ذلك. وكانت مهمته إنقاذ الوطن الأم الصغير، حتى لو اضطر إلى التضحية بالهند وآرام نهاريم ونيجيريا وشرق إفريقيا.”
هل هذا هو ما سيقوم به نتنياهو المعجب بتشرتشل مع إدارة بايدن التي قررت إنقاذ إسرائيل من حكمها اليميني والسعي إلى دمجها في المنطقة من خلال اتفاق سلام يقوم على حل الدولتين ويضمن لها أمنها؟.. وهذا ما يحاول بايدن ووزير خارجيته تحقيقه بعد 7 أكتوبر. ورغم أن محاولات تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، وخصوصا السعودية، كانت سابقة للحرب، إلا أنها تعاظمت بعد ربطها بفكرة حل الصراع العربي الإسرائيلي.
إذ علق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس (السبت)، في مؤتمر ميونيخ الأمني، على فرص التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية، في ظل الحرب وقبل انتخابات 2024 في الولايات المتحدة، وقال إن “إسرائيل ستحظى خلال الأشهر المقبلة بفرصة غير مسبوقة في ما يتعلق باندماجها في الشرق الأوسط. فكل الدول العربية تقريبا تريد الآن دمج إسرائيل في المنطقة وتطبيع العلاقات معها”. وأكد بلينكن أن من الضروري الترويج لإقامة دولة فلسطينية تضمن أيضًا أمن إسرائيل، وأشار إلى أن “الجهود جارية بقيادة الدول العربية لإصلاح السلطة الفلسطينية”.
وأوضح بلينكن أن “إسرائيل لديها فرصة غير عادية في الأشهر المقبلة للاندماج في الشرق الأوسط، لأن العديد من الدول العربية مستعدة لتطبيع العلاقات مع الدولة”، مضيفا أن “جهودا جادة جارية بقيادة الدول العربية لإصلاح السلطة الفلسطينية”.. “الأمر الأكثر إلحاحاً الآن هو التوصل إلى دولة فلسطينية. على المدى القصير، يتم ضمان أمن إسرائيل، ولكن على المدى الطويل مسألة مختلفة وتتضمن ترتيباً طويل الأمد”.
وبعد تجميد الاتصالات بشأن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية جراء حرب 7 أكتوبر، أفادت وكالة رويترز أن الرياض ستكون مستعدة للاكتفاء بمجرد وعد سياسي من القدس بإقامة دولة فلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق تحالف دفاعي مع واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل. وأوضح مسؤولون إقليميون بعد ذلك أن الرياض ترغب في تعزيز أمنها على خلفية التهديدات الإيرانية، حتى تتمكن من المضي قدما في خطتها الطموحة لإحداث ثورة في اقتصادها من شأنها أن تؤدي إلى استثمارات أجنبية كبيرة في المملكة. ومن أجل خلق مجال للمناورة في المفاوضات مع إسرائيل، وإعادة المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التحالف الدفاعي إلى مسارها، أخبر المسؤولون السعوديون زملاءهم في واشنطن أن الرياض لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية. وبدلا من ذلك يكتفون بالحصول على التزام بحل الدولتين.
وبحسب تقارير إسرائيلية كان الهدف الأساسي من وصول بلينكن إلى ميونيخ هو عقد مؤتمر للنقاش مع وزراء خارجية كافة الدول العربية المشاركة في مبادرة السلام التي تريد الولايات المتحدة الترويج لها بشكل عاجل، ولكن على مراحل، من أجل الاستفادة من الفرصة المتاحة أمامها. وتسوية مسألة الأسرى بخطوط عريضة. وتسعى الولايات المتحدة جاهدة من ناحية إلى تعزيز علاقات إسرائيل مع العالم العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، ومن ناحية أخرى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ينبغي إقامتها على أساس الخطة. وشارك في الاجتماعات وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات، كما انضم إلى بعضها وزراء الخارجية الأوروبيون ورؤساء الاتحاد، الذين قد يقدمون ضمانات للتسوية.
ورغم أن كلام بلينكن وما نشرته الصحافة الأمريكية عن خطة تجري بلورتها مع عدة دول عربية لصفقة إقليمية، فإن العائق الأساس لا يزال نتنياهو وحكومته اليمينية التي ترفض أي تحرك نحو حل الدولتين. وهذا يعني أن احتمالات فشل الجهد الأمريكي قائمة. وهناك اعتقاد بأن أمريكا، ومعها عدة دول أوروبية، ستبدأ في اتخاذ خطوات تقييدية تشعر إسرائيل بوجوب التعاطي مع “الإرادة الدولية” وأن ذلك يصب في مصلحتها.
وهكذا إضافة إلى تقييد تصدير الأسلحة من أوروبا لإسرائيل كشفت “معاريف” النقاب عن صفقة ترسل أميركا بموجبها ذخائر للجيش الإسرائيلي مقابل تعهد بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية.
يذكر أنه قبل أيام، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أنّ إدارة بايدن تسعى مع خمس دول عربية إلى إعداد خطة شاملة تتضمن قيام دولة فلسطينية لتحقيق “سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين”، تبدأ بإعلان وقف إطلاق النار في غزة لمدة ستة أسابيع وتبادل للأسرى. وتأمل الدول التي تعمل على الخطة عرضها في مؤتمر ميونخ الأمني.
وتتضمن الخطة، وفق ما أوردته الصحيفة، جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، لكن كل ذلك مرهون بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار يتضمن صفقة عاجلة لإطلاق المحتجزين في قطاع غزة، يتم التفاوض بشأنه بين الولايات المتحدة وقطر ومصر. وتقول الصحيفة إن من المطلوب أن يتم وقف إطلاق النار قبل شهر رمضان.
وقد تجددت التظاهرات المناهضة لحكومة نتنياهو مساء أمس (السبت) في عدة مراكز في تل أبيب، وبالقرب من مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس، وفي قيساريا وحيفا وكفار سابا ورحوفوت وبئر السبع.
وقال موشيه ريدمان أبوطبول، أحد قادة الاحتجاج: “أولئك الذين يمنعوننا من إلقاء الخطب والتعبير عن مشاعر ومواقف غالبية المواطنين الإسرائيليين، وبالتالي يعتقدون أنهم سوف يرضون الحكومة الافتراضية التي جلبت لنا جميعا فوضى”.. “كارثة أمنية واقتصادية خاطئة غير مسبوقة، حيث يتم حظر الخطابات. في المستقبل غير البعيد سوف يسجنون الناشطين الشعبيين والمعارضين. قرارات مثل عدم السماح بإلقاء الخطب في التظاهرات، والتي تشير بوضوح إلى أين تريد هذه الحكومة الرهيبة أن تأخذنا، فقط “زيادة الدافع لإحداث التغيير. إسرائيل لن تكون روسيا”.