نتنياهو والتطبيع بعد طوفان الأقصى ليسا كما قبله( جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي* – الحوارنيوز
نتنياهو، ليس فقط رئيس وزراء لإسرائيل، وانما هو المؤتمن والمُكّلف بالمشروع الصهيوني في المنطقة. مهامهُ تتعدى بكثير حدود وظيفته الرسمية، وتتعدى الحدود الجغرافية لفلسطين. فهو (وأقصد نتنياهو) المُعّول عليه، من قِبلْ اللوبي الصهيوني والدولة العميقة في أمريكا، في تنفيذ المشروع الصهيوني. حقّقَ للمشروع الصهيوني إنجازات استراتيجية، على صعيد توسيع و ترسيخ اغتصاب الأراضي الفلسطينية ( يعني الاستيطان وفقاً لقاموس الامبريالية)، وعلى الصعيد السياسي في المنطقة، حيث تّم برعايته وعنايته، انجاز حملة التطبيع الثانية، والتي ابتدأت بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة في ٢٠٢٠/٨/١٣ ، وتلتها ممكلة البحرين، ومملكة المغرب.
الدوائر الصهيونية المُتحكّمة تحسبُ نتنياهو شخصاً وقدرةً ،امتداداً لرابين وبيغن وشامير وبيرس، لذلك حظي ويحظى بدعم أمريكي وغربي وحتى روسي، وعربي، سياسي وعسكري، رغم نفور اغلب رؤساء دول العالم من شخصه، ويصفونه بالكذّاب، ورغم جرائمه في غزّة، التي شبههّا الرئيس أوردغان وآخرون بأنها تماثل النازيّة.
يختلفُ الغرب وامريكا وروسيا في ما بينهم، ولكنهم متفقون على دعم نتنياهو او، على الأقل، عدم المساهمة في اسقاطه.السّر وراء حظوته هذه هو اللوبي والدولة العميقة التي تقود امريكا والغرب، وبإعتبار نتنياهو حمّال المشروع الصهيوني في المنطقة.
أقترن اسم نتنياهو بالتطبيع، ويعتبره رواد المشروع الصهيوني، مهندس التطبيع، وليس عبثاً او دون نوايا ،من ان تكون جهود الوساطات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وخططهم، منصّبة على هدفيّن: إطلاق الاسرى لدى المقاومة في غزّة والتطبيع مروراً، مرور اللئام، على وقف إطلاق النار وانهاء الحرب في غزّة. أمّا الحديث عن دولة فلسطينية فهو خدعة، مُتفق عليها ،من قبل كافة الأطراف المعنيّة، لتمرير الهدفيّن المذكورين، والمقاومة في غزّة ،تدرك ذلك جيداً . المقاومة في غزّة وحلفاؤها عاشوا وعانوا من تداعيات ونتائج ” خدعة الدولة الفلسطينية الاولى” ،والتي تجرعّت منظمة التحرير الفلسطينية سُمّها ، قبل ان يتجرع المرحوم ياسر عرفات ذات السُّمْ .
أَبعاد ونتائج التطبيع المنشود ،بعد الطوفان ،اكبر بكثير استراتيجياً، من التطبيع قبل الطوفان . التطبيع ،بعد طوفان الأقصى ،هو انتصار سياسي لإسرائيل،وللمشروع الصهيوني ، يعوضّهما عن الهزيمة العسكرية والقضائية والإعلامية ،التي لحقت بإسرائيل وبالمشروع الصهيوني في المنطقة . سيكون بمثابة اعادة تأهيل للكيان المحتل في المنطقة ،لاسيما وأنه تطبيع مع المملكة العربية السعودية، والتي لها ثقلها السياسي والاقتصادي والديني في المنطقة وفي العالم . لطالما اقتضتْ المملكة للتطبيع مع إسرائيل شرط قبول الأخيرة ( واقصد إسرائيل ) مبادرات السلام التي طرحتها المملكة اكثر من مرّة ، واقامة الدولة الفلسطينية ، وقد أكدت الخارجية السعودية الليلة الماضية على هذا الشرط ،والتزام المملكة به،ولكن من ذا الذي يضمنُ التزام وتعهدات إسرائيل ؟
التطبيع ،وبعد جرائم الابادة في غزّة ، ودون البدء فعلاً بإقامة الدولة الفلسطينية ووفقاً للقرارات الدولية ،سيكون انتصارا سياسيا لاسرائيل وللمشروع الصهيوني ، وسيكون بمثابة حُسنْ سلوك للكيان ولنتنياهو، وسيثير الأمر عجبَ و اندهاش العالم ،الذي اطلعَ وعاشَ يوميات القتل والتجويع والترويع لاهالي غزّة ، وسيقولون والتاريخ ” انَّ إسرائيل وبالرغم من ما اقترفته من جرائم بحق الفلسطينيين ” ،اصبحت الآن اكثر مقبوليةً لدى العرب !
هل ستتغيّر اسرائيل ،بعد الهدنة ووقف الحرب ،وهل استوعبت دروس طوفان الأقصى ؟
نتمنى ذلك ،ولكن لا أظنّهُ . المكر والخداع والتضليل يؤطّرُ الصهاينة ، واصبحوا وإسرائيل ورطة العالم . العالم الذي استوعب ،اكثر من اسرائيل، دروس طوفان الأقصى ، وادرك بأنَّ ،دون اقامة الدولة الفلسطينية،ستشهد المنطقة اكثر من طوفان .
رواد المشروع الصهيوني حريصون على اتمام صفقة الاسرى والتطبيع وبقاء نتنياهو في السلطة ،و ثمن الصفقة هو ايقاف الحرب ووعود اقامة الدولة فلسطينية، وخسارة بايدن في الانتخابات، وعودة ترامب إلى الحكم ليكمل مسار التطبيع.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل