كتب حسين حاموش
من الطبيعي أن تتكاثر الوقائع في الحرب الدائرة بين الشعب الفلسطيني على امتداد الوطن المحتل وفصائل المقاومة الفلسطينية ،وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي ،والعدو الإسرائيلي (الجيش، والأمن الداخلي، والأجهزة الاستخباراتية والأمنية وإلى جانبهم المستوطنون) وذلك منذ مساء يوم الجمعة (7 أيار 2021)، عندما اقتحم آلاف من عناصر الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى حيث اعتدوا على المصلين ما أدى إلى إصابة أكثر من 205 فلسطينيين في المسجد وباب العامود (باب دمشق) وحي الشيخ جراح.
من أبرز الوقائع منذ اندلاع الشرارة الأولى:
1- المواجهة التي فاجأت من في الداخل ومن في الخارج، بين الفلسطينيين الذين لم يغادروا أرضهم في العام 1948، والمحتلين المستوطنين، بدعم مباشر من الجيش الإسرائيلي وأجهزته الاستخباراتية والأمنية.
2- مبادرة أهالي الضفة الغربية (في القرى، والبلدات والمدن) والقدس الشرقية ،لا سيما في حي الشيخ الجراح، بالمواجهة والتصدي للمستوطنين وقوات العدو الأمنية والعسكرية.
3- سلاح الصواريخ كمًا ونوعًا ودقة في إصابة الأهداف المحددة، حيث طالت تل أبيب (العاصمة السياسية، مركز القرار، والقيادة للجيش وأجهزته…) وجميع مناطق ومدن وبلدات وقرى على امتداد ساحات الأراضي المحتلة وجميع المطارات والفنادق، والمطاعم، ومواقف السيارات الخ…
سلاح الصواريخ تميز بـ:
– نوع من الصواريخ يحمل رأسًا حربية ينفجر على مرحلتين أو ثلاث مراحل.
– الصواريخ الحديثة المتطورة حيث أعلن الناطق باسم كتائب القسام أن صاروخًا من طراز “عياش” 250 أطلق باتجاه مطار رامون جنوب منطقة النقب. ودعا شركات الطيران إلى وقف رحلاتها إلى إسرائيل.وبالفعل ألغت غالبية شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى إسرائيل. كما توقفت حركة الطيران الداخلية (في إسرائيل).
كما أعلن عن الصواريخ الحديثة- المتطورة:
“A120” “SH50” وبدر “3” والقاسم التدميري.
4- سلاح الجو الإسرائيلي لم يعد السلاح المسيطر والحاسم ولكنه يبقى فاعلًا في إطار مهام محددة.
*نصيحة هيلاري كلينتون حول سلاح الجو وتبدل التوازن*
عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية الأميركية قدمت نصيحة للإسرائيليين:” عليكم التركيز على صناعة واستخدام الصواريخ. ويجب أن تأخذوا بالاعتبار أن التوازن الكلاسيكي للقوى قد تبدل بشكل جذري”.
وأضافت كلينتون أن المقاربة الفلسفية لمبدأ التوازن قد تغيرت بظهور الصواريخ البالستية”.
آنذاك أبلغت وزارة الخارجية الإسرائيلية الوزيرة كلينتون اعتراضًا شديدًا على تصريحها المذكور. أما اللوبي اليهودي فأسمعها كلامًا قاسيًا وتبلغت من أركانه:” لن نكون إلى جانبك في الانتخابات الرئاسية (الأميركية)”.
وكان هذا الموقف سببًا من أسباب عدم وصولها إلى البيت الأبيض حيث لم ينفعها تقديم الاعتذار لكل من إسرائيل واللوبي اليهودي.
ب- في النتائج
-
فلسطينيًا:أبلغ أهلي وسكان الداخل المحتل كلا من:
منصور عباس- رئيس القائمة الموحدة في الكنيست
وأيمن عودة- رئيس القائمة المشتركة في الكنيست:
” كلنا فلسطينيون لا تفرقة بيننا وبين أبناء الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وغزة… كلنا فلسطينيون انتماء وهوية… والساحات واحدة ومتوحدة. ولن يردعنا أو يرهبنا تحول المستوطنات إلى ثكنات عسكرية بلباس مدني بل سنلاحقهم في أي مكان”.
وبالخصوص المذكور نقل موقع “واللا” العبري:
” أن تعليمات صدرت إلى قادة كبار في القيادة الجنوبية والشمالية بالسماح للجنود بأن يذهبوا باللباس المدني وليس بالزي العسكري خوفًا من الاعتداء عليهم من الشبان العرب (1948) في يافا وأماكن أخرى في الداخل”.
*هل هذا صحيح؟!*
يوم الأحد بتاريخ 16/ 5/ 2021 أفاد مراسل القناة 12 العبرية المختص في الشأن الفلسطيني أوهاد حمو، ” بأن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس اجتمع بقادة أجهزته الأمنية وأخبرهم:
” لا أريد أن أرى حماس ترفع رأسها في الضفة ولا أن تخرج الأمور عن السيطرة. والضفة هي القصة الحقيقية.”
لم يصدر أي تعليق من جانب السلطة الفلسطينية حول ما أفاد به مراسل القناة 12 العبرية.
هذا ما أبلغه أهالي وسكان الداخل الفلسطيني المحتل (عام 1948) إلى كل من رئيس القائمة الموحدة منصور عباس ورئيس القائمة المشتركة أيمن عودة (في الكنيست الإسرائيلي):
“كلنا فلسطينيون لا تفرقة بيننا… انتماء وهوية… والساحات واحدة ومتوحدة”.
هذا الكلام يؤكد أن المواجهة مع العدو الإسرائيلي مترابطة ومتكاملة…
وبالخصوص المذكور كتبت الزميلة مي رضا من رام الله في عدد “الأخبار” يوم الاثنين بتاريخ 17/ 5/ 2002:” كسر آلاف الشبان (بالضفة) حاجز الخوف وداسوا على هاجس الملاحقة الأمنية لينتصر الفلسطيني الجديد على مخاوفه الداخلية”.
وفي معلومات خاصة من شخصية فلسطينية لها تاريخها النضالي طلابيًا وسياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا، أن المئات من كوادر فتح تتقدم الصفوف في المواجهة مع العدو في أكثر من منطقة وموقع في الضفة الغربية… وأن المطلوب هو تجميد العمل بالاتفاقية الأمنية مع العدو الإسرائيلي الذي يعاني من المأزق الذي وضع نفسه فيه بدءًا من يوم الجمعة (بتاريخ 7 أيار 2021) حيث هاجم جنوده المصلين وانتهكوا حرمة المسجد الأقصى إلى يومنا هذا”.
وناشدت الشخصية الفلسطينية المذكورة الجميع “أن نكون كلنا واحد. ووحدتنا هي قوتنا. وقوتنا هي وجودنا”.
وذكرت الشخصية نفسها أن “انتصار المقاومة في لبنان عام 2006 على العدو الإسرائيلي تحقق بتكامل المواجهة السياسية التي قادها الرئيس نبيه بري من خلال التفاوض مع الجهات الدولية والعربية والمواجهة العسكرية والأمنية التي قادها السيد حسن نصر الله”.
*هل يتحقق حلم محمود درويش:بعدم الخوف من النظر إلى الخريطة؟*
بعد توقيع إتفاق “أوسلو” أجرى الصحافي القدير غسان شربل (رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط) حوارًا مع الشاعر محمود درويش حول موقفه من الاتفاق المذكور فكان الجواب مختصرًا، لكن مضمونه كان بليغًا مؤلمًا حيث قال درويش:” أخاف النظر إلى الخريطة (خريطة الوطن الفلسطيني الموعود).
ولكن درويش – حسب شربل- ابدى “تفهمًا وبعمق- بعد اغلاق آلة التسجيل حيث قال:” أحيانًا تبلغ المبارزة حدًا من القسوة يدفع الجانب الأضعف فيها إلى الالتحام بعدوه. يلتحم به للاحتماء وربما أيضًا لربط المصائر ببعضها. أحيانًا يجلس المعتدى عليه في حضن المعتدي ليعرقل قدرته على تسديد الطعنات، ويكاد المشهد يشبه قتالًا على ظهر سفينة. وقد لا يكون لدى الأضعف من خيار غير الالتصاق بعدوه وعلى قاعدة يغرق معي أو أنجو معه” (انتهى كلام محمود درويش لغسان شربل).
اليوم انقلب المشهد، وها هي فلسطين يكامل خريطتها من القدس “عروس العروبة”- حسب الشاعر مظفر النواب- إلى الضفة- قاعدة الثقل والارتكاز- إلى غزة المقاومة والعزة وإلى الشمال حيث انتفض الفلسطينيون (1948) وتكاملوا مع ساحات المواجهة على جميع أراضي الوطن المحتل حيث بات الكل واحد انتماء وهوية…
وبالخصوص المذكور، كتب دانيال غورديس في “الشرق الأوسط” بالاتفاق مع وكالة “بلومبرغ” مقالًا بعنوان:” حرب غزة عصفت بالسلام الإسرائيلي الداخلي الجديد” حيث جاء فيه:
” أما الآن، فلقد عصفت الأحداث المريعة الراهنة بكل أسباب الأمل والتفاؤل واستبدلت بها مشاعر الغضب، والسخط، والخيانة. إذ امتدت الحرب الجارية بين الجيش الإسرائيلي وحركة «حماس» الفلسطينية إلى المدن الإسرائيلية التي كانت معروفة من قبل بأنها أمثلة حية على التعايش السلمي داخل المجتمع الإسرائيلي. لقد بلغت أعمال العنف ما بين العرب واليهود في الداخل مستويات مروعة وغير مسبوقة. وتشكلت عصابات القتل والنهب والترويع على كلا جانبي الصراع. وتعرضت المعابد اليهودية للحريق والدمار، الأمر الذي أيقظ في المخيلة الإسرائيلية صور المذابح القديمة التي طالما ارتبطت منذ فترة طويلة بالوجود اليهودي الأول في أوروبا، وليس بالدولة اليهودية نفسها. كما تعرضت الأعمال التجارية لدى الجانبين للخراب والدمار. وبات المواطنون اليهود والعرب، سواء بسواء، يخشى كل منهم على نفسه وعلى أسرته من مجرد مغادرة منزله. إنهم المتطرفون الدينيون من كلا الفريقين، غير أن الانقسامات الداخلية القديمة هي أوسع نطاقاً وأعمق جذوراً، ما قد توحي به شراذم قليلة من عناصر العنف والتطرف والكراهية.
فلقد ضاعت سيادة القانون تماماً في شوارع مدن كبيرة من شاكلة يافا، أو اللد، أو سواها من المدن الأخرى، وبرهنت الأحداث الأخيرة الجارية على فقدان الشرطة الإسرائيلية التي تعاني بالأساس من نقص كبير في التمويل مع الافتقار إلى القيادة الحازمة خلال السنوات الماضية للمقدرة الكاملة لقمع أعمال العنف والسيطرة على الانفلات الأمني الكبير. وصار كثير من المواطنين الإسرائيليين المعتدلين الآن يسألون أنفسهم: هل كنا حقاً ساذجين طوال السنوات الماضية عندما تصورنا أنه يمكن للمواطنين اليهود والعرب أن يتعايشوا معاً وسلمياً ويتشاركون معاً أراضي هذه الدولة الصغيرة؟” (انتهى ما كتبه دانيال غورديس)
محمود درويش أرقد بسلام في مثواك الأخير: الخريطة سوف تتغير ونحن في بداية الطريق.
2- إسرائيليًا:
*انتهاء الرفاهية وانهيار المجتمع بدءًا بالانهيار النفسي في الجيش*
قد يكون ما كتبه دانيال غورديس (أعلاه) لوحة جزئية في ما يتعلق بضرب التعايش الذي كان سائدًا “بين العرب واليهود” ،ولكنها لوحة عامة تعكس ما تعيشه أغلبية المناطق والمجتمع الإسرائيلي الذي انتهت رفاهيته. فهو لم يكن يهتم للمواجهة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة في جميع المناطق على مساحة الكيان الإسرائيلي فيما مضى، لا سيما في غزة وغلافها، والسبب أن المجتمع الإسرائيلي كان يثق بقدرات وإمكانات الجيش الإسرائيلي التي تفوق إمكانات تنظيمات وفصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ولكن في الحرب التي تدور اليوم بين الجيش الإسرائيلي واجهزته الاستخباراتية والأمنية وقوى الأمن الداخلي وبمشاركة ومساندة من المستوطنين حيثما وجدوا، انقلب المشهد، وتغيرت الصورة حيث لم يعد هناك مكان آمن في جميع المدن والبلدات والقرى والأحياء في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية، وفي غلاف غزة وفي الشمال، حيث طالت صواريخ المقاومة جميع ما ذكر ،مستهدفة الحجر والبشر، وحيث توقفت حركة الملاحة الجوية في جميع المطارات، وخلت الشوارع من السكان، وأقفلت الفنادق والمطاعم، ما عطل الحركة السياحية وشل الاقتصاد… كما وقع الإعلام الإسرائيلي والإعلام الخارجي بإرباك حيث كان الجيش يصدر (على سبيل المثال) أنه بدأ بعملية الاجتياح البري ضد قطاع غزة منذ أيام وإذ بالقناة العاشرة الإسرائيلية تعلن أن لا اجتياح بريًا لغزة.
عوامل الشلل والارباك، وقساوة الرد المضاد من قبل فصائل المقاومة في غزة وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية لا سيما حي الشيخ الجراح، تسببت ببدء الانهيار النفسي في صفوف الجيش الإسرائيلي وأجهزته الاستخباراتية والأمنية والقوى المسلحة عامة ومجموعات المستوطنين المسلحة ما عجل بانتقال حالة الانهيار النفسي إلى المجتمع الإسرائيلي عامة.
ولعل المؤتمر الصحافي الذي عقده نتنياهو منذ يومين- من كتابة هذه السطور- مع وزير الدفاع غنتس ورئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي في خلفيته طمأنة المجتمع الإسرائيلي من الانهيار الشامل…
باختصار شديد وبدقائق قليلة وبعبارات قصيرة خاطب نتنياهو مجتمعه من خلال شاشة التلفزة (وكذلك كل من غينتس و كوخافي ) :” الإنجاز الذي نريد تحقيقه هو إنقاذ الإسرائيليين. لذلك أطلب الالتزام بالتعليمات، ولكن ذلك سيستغرق وقتًا”.
زر الذهاب إلى الأعلى